منذ زمن بعيد اجتهد الكيان الإسرائيلي من أجل مخالفة الحقيقة الأبدية لتأكيد عدم عروبة فلسطين، والحق اليهودي في الأراضي الفلسطينية، وذلك من خلال اختلاق تاريخ وجغرافيا بعيدين تمامًا عن الواقع، إلا أن تلك المحاولات دائمًا ما يكون مصيرها الفشل، فكل يوم تظهر أدلة جديدة تؤكد عروبة الأراضي الفلسطينية. فما يُقال عن القدس أنها غير عربية، وتاريخها يرجع إلى اليهود "كلام مغلوط"، لأن هناك وثائق وصورًا تؤكد عروبتها، وأن العرب المسلمين لهم الأحقية فيها. القدس هي أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين بعد مكةوالمدينة، مسرح النبوات، وزهرة المدائن، مهبط الديانات السماوية، وأعظم مدن العالم قداسةً، شهدت معراج الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وقيامة المسيح عليه السلام، وهي رمز التسامح والمحبة، وموضع أنظار البشر منذ أقدم العصور، وهي الموقع الذي ترنو إليه جميع الأمم والحضارات، وتحاول الاستيلاء عليه.. هوجمت وحوصرت ما لا يقل عن 25 مرة، ولكنها صمدت في وجه جميع محاولات تغيير خصائصها وحيويتها. أُطلق على أرض فلسطين، اسم "الأرض المقدسة" أو "أرض التوراة"، ونُثرت على الجغرافيا الفلسطينية أسماء من "الكتاب المقدس"، وصولاً إلى تهويد أسماء المدن والقرى والمعالم، بهدف ترويج الادعاء القاضي بأنّ "فلسطين هي المسرح الأصلي لجغرافيا الكتاب المقدس"، فُرسمت الخرائط بدءًا من عشرينيات القرن التاسع عشر، وتم إلصاق أسماء توراتية على الخرائط ومحو الأسماء العربية الأصلية. اقرأ أيضا: «الهدم».. سياسة الاحتلال الفاشلة لمحو الوجود الفلسطيني ولا تمر مناسبة في دولة الاحتلال إلا وتتكرر المزاعم بأن مدينة القدس عاصمة أبدية لدولتها، وخلال العقود السبعة الماضية شهدت المدينة المقدسة عمليات تهويد ومحاولات لطمس هوية المدينة الإسلامية والمسيحية. وبالتزامن مع افتتاح السفارة الأمريكية في القدس واعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمدينة القدس عاصمة لإسرائيل، تم تداول العديد من الصور والعملات والوثائق التي تؤكد عروبة فلسطين وعاصمتها القدس. هذه الصور ليست الدليل الأول على عروبة فلسطين، حيث تشير قصص الأنبياء إلى قدوم نبي الله إبراهيم إلى فلسطين وكانت تسمى أرض كنعان، ويقدّر بعض المؤرخين أن ذلك حدث في حدود 1900 قبل الميلاد، ومن المُسلم به أن إبراهيم عليه السلام لم يكن يهوديًا، بل لم تكن الديانة اليهودية قد نزلت بعد، والنص القرآني القاطع يقول: "مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ". كما تؤكد كتب التاريخ وعلم الآثار أنَ العرب أسسوا مدينة القدس قبل ظهور اليهودية بنحو (3000 ق.م)، وتعاقبت على المدينة بعد تأسيسها أمم شتّى، وفتحها المسلمون لأسباب دينية واستراتيجية بعد انتصارهم على الرومان في معركة اليرموك، وطلب أهلها الصلح والأمان على أن يتولّى ذلك الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وتعتبر قبة الصخرة والمسجد الأقصى من أهم وأقدم المعالم العربية الإسلامية في المدينة، وتُعد جزءًا أساسيا من التراث الإسلامي ومن أكثره قدسية. وأكدت دراسة أعدت مؤخرًا عُروبة القدس وأسبقية الوجود العربي فى فلسطين، حيث استندت الدراسة لباحث مصري في التاريخ والأديان إلى نصوص التوراة، بأن الإعلام الغربي يتبنى الأفكار اليهودية حول ما يُسمى "أرض الميعاد" أو "الحق اليهودي" في أرض فلسطين، باعتبارها أرض "الشعب اليهودي" وحده. اقرأ أيضا: أسبوع الدم والنار في غزة.. الاحتلال يهدد بإحراق القطاع وانتفاضة في الطريق وحسب الدراسة التي أعدها إسماعيل حامد الباحث المصري في تاريخ الأديان، تُعرف التوراة الحالية باسم "توراة عِزرا"، وهو العُزير فى القرآن الذى أعاد تدوين التوراة إبان القرن 5 ق.م، بعد أن اختفت "توراة موسى" أو "التوراة الأولى" عقب تدمير أورشليم على يد البابليين. وتعج "التوراة" بالإطراء على بني إسرائيل، وتنعتهم بأنهم "شعبُ الله المختار"، وأنهم "أبناء الله" و"الأبناء المقدسون"، بينما تلعنُ "الكَنعانيين" (وهم أجداد الفلسطينيين)، ويزعم اليهودُ أن فلسطين (أرض كنعان) هى أرض اليهود وحدهم، وأنهم سكنوا فيها قبل الفلسطينيين (الكنعانيين)، وهى ادعاءات لا حُجة لها، بل وتكذبها توراة اليهود ذاتها، حيث تقول: "فأخذ أبرام ساراي امرأته ولوطًا ابن أخيه وكل مقتنياتهما، وخرجوا ليذهبوا إلى أرض كنعان، فأتوا إلى أرض كنعان، واجتاز (أبرام) في الأرض إلى مكان شكيم، وكان الكنعانيون حينئذ في الأرض". وتأكيدًا لعروبة القدس، مهما حاول الإعلام الإسرائيلي طمس الحقائق، وتزييفها، فإن قوة تلك الأدلة ترجع إلى أنها وردت في توراة اليهود وليس أي مصدر آخر". اقرأ أيضا: «الدمدم».. أداة الاحتلال ل«تحطيم عظام» الفلسطينيين ورغم كل تلك الأدلة، لم تكترث إسرائيل بالرفض العربي والإسلامي والعالمي لتهويد القدس، وتابعت فرض سياسة الأمرالواقع لفرض هيمنتها الكاملة على المدينة، والقيام بالكثير من المفاوضات للاعتراف بها، والتي أدت لاعتراف أمريكابالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارتها إليها. وبالرغم من كل ما تمثله خطوة ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدسالمحتلة والاعتراف العملي والإجرائي بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي من اعتداء سافر على الشعب الفلسطيني، وعلى عموم العرب، ومن مخالفة فجة لقرارات الأممالمتحدة ولإرادة كل دول العالم، فإن خطوة ترامب هذه أعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة. اقرأ أيضا: بعد «مذبحة غزة».. إيران في قفص الاتهام وطهران تتوعد الاحتلال وفي النهاية يجب التأكيد على أن عروبة القدس وإسلاميتها في الوقت نفسه حقيقة ثابتة لا تخضع لوجهات النظر ولا تحتاج للأدلة، وقد سُميت القدس "قلب فلسطين" وعاصمتها الأبدية، بعشرات الأسماء التي اقترنت بأسماء البناة أو الغزاة، والتي عند استعراضها يتبين أن لها من المدلولات ما يعطيه التاريخ لدارسيه، فهذه الأسماء وردت في وثائق وسجلات عديدة في مختلف أنحاء العالم القديم والحديث، وهذا يؤكد أن مختلف الحضارات تصارعت على القدس، إلا أنها في النهاية تبقى "فلسطين عربية".