حالة من الجدل أثارها التحقيق المصور للقناة الرابعة البريطانية، الذي أجرته حول دور شركة "كامبريدج أناليتكا" في انتخابات الرئاسة الأمريكية، والخدع "القذرة" التي اعتمدت عليها. حيث لعبت شركة "كامبريدج أناليتكا" البريطانية للاستشارات السياسية، دورًا في العديد من الانتخابات حول العالم بدءًا من كينيا ونيجيريا، مرورًا بالهند والأرجنتين وصولًا إلى جمهورية التشيك، إلا أن الأهم هو دورها في الحملة الانتخابية لدونالد ترامب المرشح الجمهوري آنذاك. التحقيق السري الذي استمر لأربعة أشهر، كشف عن الطريقة التي تدير بها الشركة أعمالها، حيث تلجأ الشركة إلى العديد من الأساليب الملتوية لتشويه سمعة منافسي عملائهم، سواء عن طريق الاعتماد على بائعات الهوى، أو الجواسيس، واستغلال التقنيات القديمة بأحدث الوسائل. ويشير التحقيق إلى أن فوز ترامب "الصادم" والمفاجئ، زاد من شعبية الشركة، باعتبارها واحدة من الأسباب الرئيسية في هذا الانتصار. وتعتمد الشركة في الحملات الانتخابية التي تديرها على تحليل معلومات وبيانات المصوتين الذين لم يحسموا رأيهم بعد، ومن ثم يبدؤون في التأثير عليهم عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي. وكانت هذه الاستراتيجية التي طورتها الشركة بشكل حصري، أحد الأسباب الرئيسية في فوز ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية. إلا أن هذا الفوز لم يمر مرور الكرام، حيث طالب خصوم ترامب بالتحقيق في الاستراتيجية التي اتبعتها "كامبريدج أناليتكا" في الانتخابات، وأشار البعض إلى دور الشركة في استفتاء "بريكست"، لتكون التهمة الرئيسية الموجهة لها "اختطاف الديمقراطية". وفي محاولة لاقتحام "عش" الشركة البريطانية، تنكر معدو التحقيق في هيئة عميل محتمل من سريلانكا ومساعدته، يسعى للتعاقد مع "كامبريدج أناليتكا" للفوز بالانتخابات في بلاده. وافقت الشركة على لقاء العميل المزيف، وحضر مارك ترنبول المدير العام للشركة، وأليكس تايلور مدير قسم إدارة البيانات في الشركة الاجتماع في أحد فنادق لندن. وادعى معد التحقيق أنه ينتمي لعائلة كبيرة في سريلانكا، يسعى للحصول على خدمات الشركة للنجاح في الانتخابات، وأكد له القيادتان البارزتان في الشركة، أنهما خبيران في إدارة البيانات. أليكس تايلور حيث يقول "تايلور" في الاجتماع "إذا كنت تجمع معلومات عن الناخبين، وتعمل على تحديدهم، فسيمنحك هذا القدرة على تقسيمهم، وتوجيه رسائل حول القضايا التي يهتمون بها، ومعرفة اللغة والصور التي يمكن أن يتفاعلوا معها". ويضيف "واستخدمنا هذه الاستراتيجية في أمريكا وإفريقيا، هذا ما نقوم به كشركة". وأكمل "ترنبول" قائلًا "لقد قمنا بهذه الأمور في المكسيك، وماليزيا، والآن سننتقل إلى البرازيل، وأستراليا والصين". وبعد أن أثار معدو التحقيق فكرة الاعتماد على الاستخبارات في جمع المعلومات عن الخصوم السياسيين، مع ترنبول وتايلر، يقول التحقيق إن طريقة مختلفة تمامًا في جمع المعلومات بدأت في الظهور. قال ترنبول "لقد ذكرت موضوع جمع المعلومات الاستخباراتية أيضًا، كجزء من العملية، نعم فلدينا علاقات وشراكات مع منظمات متخصصة، والتي تقوم بهذا النوع من الأعمال". ويضيف "يمكنك أن تعرف من هو منافسك، وتعرف بعضا من أسراره، واستراتيجيته". ويشير التحقيق إلى أن تلك الطرق التي تحدث عنها "ترنبول" وتايلر" في جمع المعلومات، غير معتادة تمامًا في إدارة الحملات الانتخابية، لذا قاموا بعقد اجتماع آخر. اقرأ أيضا.. «ترامب».. كلمة السر وراء حملة حذف تطبيق «فيسبوك» وعقد الاجتماع الثاني في فندق آخر في لندن، حيث أدلى المسؤولون في الشركة البريطانية بمعلومات عن التكتيكات التي يتبعونها في الحملات الانتخابية. حيث كشف "ترنبول" أن "الآمال والمخاوف تعد من أهم الدوافع الإنسانية المتبعة لاستخلاص المعلومات بشكل فعال، والكثير من هذه الآمال والمخاوف قد تكون غير محسوسة، فأنت لن تعلم أنك تخاف، حتى يحدث شئ ما يثير خوفك". ويكمل "ووظيفتنا تكمن في أننا نلقي الدلو في البئر فقط، ليقوم الآخرون باكتشاف وفهم إلى ماذا تشير هذه المخاوف؟"، مضيفًا "أنه لا يمكن إدارة حملة انتخابية بناءً على الحقائق، لأنه في الواقع، يدور الأمر برمته حول المشاعر". الرئيس الكيني "أوهورو كينياتا" يقول التحقيق إن آخر الحملات التي شاركت في إدارتها الشركة كانت الانتخابات الرئاسية في كينيا، التي شابها الكثير من العنف، حيث تعاقدت الشركة سرا مع حملة الرئيس الكيني "أوهورو كيناتا". حملة "كينياتا" اعتمدت على المعلومات الخاطئة، ونشر الأخبار الكاذبة عبر الإنترنت، حيث أشار استطلاع للرأي إلى أن 90% من الكينيين قالوا إنهم سمعوا أو رأوا أخبارًا كاذبة حول الانتخابات. وأضاف التحقيق أن في أحد المقاطع التي انتشرت على الإنترنت لتشويه سمعة "رايلا أودينجا" منافس كيناتا في الانتخابات، حيث استهدف المقطع عددا من المخاوف مثل الصحة والبنية التحتية والهجمات الإرهابية، دون أن يعرف أحد في كينيا من يقف وراء هذا التسجيل. ونفت "كامبريدج أناليتكا" أي دور لها في نشر مثل هذه الدعاية المسيئة، ولم تشر علنًا إلى دورها في الانتخابات الكينية، إلا أن الأمر كان مصدر فخر خلف الغرف المغلقة. يقول ترنبول "في حملة كينياتا والتي كنا نديرها في 2013 و2017، لقد قمنا بإعادة تقديم الحزب في شكل جديد مرتين، ووضعنا جدول الحملة، وأجرينا استطلاعين للرأي بمشاركة أكثر من 50 ألف شخص، وقمنا بكتابة كل الخطابات، وأدرنا الأمر بأكمله". اقرأ أيضا.. «كامبريدج أناليتكا».. حلقة جديدة في أزمة الانتخابات الأمريكية وفي الاجتماع التالي، يكشف التقرير عن تصريحات كاملة من مارك ترنبول، تكشف دور الشركة في الانتخابات الأجنبية، والاختفاء دون ترك أي أثر. حيث يقول ترنبول إنه يعرف جواسيس سابقين، وشركات أخرى، يمكنها أن تساعد في الكشف عن أسرار واستراتيجيات الخصوم السياسيين. وأضاف "هناك العديد من المنظمات الاستخباراتية التي تقوم بجمع المعلومات بسرية تامة للحصول على مثل تلك البيانات". "أعرف العديد من الأشخاص التي عملت لصالح الاستخبارات البريطانية الآن يعملون في منظمات خاصة، حيث يحصلون كل المعلومات التي يرغبون فيها، بهدوء وسرية تامة، ثم يقومون بتقديم تقرير للعميل". وأكمل "يجب أن تتم هذه العملية دون أن يشعر أي شخص بأنها دعاية، لأنك إذا شعرت أن هذه المعلومات تستخدم كدعاية لشيء، سوف تسأل من وراء هذا الفعل؟، لذلك علينا أن نكون متيقظين". وتابع ترنبول "قد نقوم بالتعاقد تحت اسم وكيان مختلف، حتى لا توجد أي سجلات تتعلق باسمنا". واستطرد "نحن لا نقوم بعرض أخبار مزيفة ولا نقوم بتضليل الأشخاص، أو خداعهم حتى نمسك بأحدهم، فعلى سبيل المثال: لن نقوم بإرسال فتاة جميلة لإغواء أي شخصية سياسية ثم نقوم بتصويرهم ونننشر الفيديو عبر الإنترنت، هناك بعض المؤسسات التي تتبع مثل هذه الأفعال، لكن بالنسبة لي فهذا أمر غير مقبول". وبعد ذلك، قامت الشركة بالاتصال بمعد التحقيق لإبلاغه بالموافقة على التعاون معه. قال المدير التنفيذي للشركة أليكسندر نيكس في اتصاله: "نحن لسنا المؤسسة الاستشارية السياسية الكبرى الوحيدة في العالم، لكن لدينا سجل حافل نعمل من خلاله". وفي الاجتماع الأخير حضر المدير التنفيذي ومعد التحقيق "العميل الوهمي". قال معد التحقيق: ما نريد علمه هو ماذا يمكنك القيام به للتأكد من هوية وأسرار المنافسين؟ أجابه نيكس "نقوم بالتواصل مع بعض الشخصيات المسؤولة عن الحملات الانتخابية أو الدعاية ونعرض عليهم صفقة جيدة للتعاون، ثم نتأكد من معرفة الفيديوهات التي تم تسجيلها، فجميع تلك الوسائل تكون مؤثرة بالأخص إذا كان لديك فيديو يحتوي على دليل في عملية فساد، وتم عرضه على شبكات الإنترنت". وأضاف أن من يقوم بهذا الأمر يجب أن يكون شخصا نعرفه، وأن يكون لديه خبرة عالية في مجال التصميمات عبر شبكة الإنترنت. على سبيل المثال، سوف نقوم بإرسال بعض الفتيات إلى منزل المرشح، لدينا تاريخ حافل في هذا الشأن. وتابع نيكس "نستطيع إنشاء مواقع وهويات شخصية مزورة، نستطيع الذهاب كطلبة في الجامعة لنقوم بعمل بعض الأبحاث، أو أن نكون سائحين، هناك العديد من الأفكار والخيارات". وأكمل "لقد قمنا باستخدام مختلف المؤسسات لإقامة أنجح المشاريع في الدول الشرق أوروبية، لقد قمنا باستخدام بعض الشركات البريطانية والإسرائيلية، فهم من أفضل المؤسسات في جمع المعلومات الاستخباراتية". من جانبها نفت شركة "كامبريدج أناليتكا" ما جاء في هذا التحقيق، وقالت في بيان لها: - ندحض كليا أي ادعاء بأن مؤسسة "كامبريدج أناليتكا" أو أيا من الشركات التابعة لها تستخدم أي رشاوى أو سبل غير مشروعة للوصول لأي غرض كان. - نقوم بشكل روتيني بإجراء محادثات مع العملاء المحتملين لمحاولة دحض أي نيات غير أخلاقية أو غير قانونية. - لا نستخدم أي مواد أو معلومات غير صحيحة لأي غرض. - أن الأبحاث والمعلومات المعارضة، فضلا عن جمع المعلومات الاستخباراتية، والتعامل مع المتعاقدين من الباطن، والعمل مع العملاء بسرية، جميعها أعمال مشروعة وقانونية.