• «المسرح للجمهور»: 700 ليلة عرض في 3 أشهر على مسرح الثقافة الجماهيرية • المهدي: الروتين «كابوس».. ولا نهضة حقيقية تحت إدارة «الموظفين» • النبوي: غياب الدعاية والتسويق إهدار للمال العام.. ولدي حل سريع كتب- أحمد مطاوع كعادة كل شيء جميل في بلادنا يظل يعافر وسط زحام لا يعرف هدفا ولا يصدر غير ضجيج يخطف الأضواء بفائض عارم من السطحية الساذجة والإسفاف المخل، وتسخر له الإمكانيات حتى يغطي على كل ما هو ذو رسالة متقنة ومبدعة، في معادلة ظالمة بلا هوية غير الربح، ولو على حساب الذوق العام. لم تكن تلك الصورة التي أصبحت سمة عامة، بعيدة عن المسرح الملقب ب«أبو الفنون» كونه الأقدم ويشتمل على كل أنواع الفنون، بعد أن تحولت اليوم الصورة الذهنية المصدرة عنه عبر الفضائيات الباحثة عن نسب المشاهدة إلى مجرد تجميعة من "الإسكتشات" الفارغة المحتوى، تعتمد على الإسفاف والاستخفاف في قالب «ضحك» أغلبه مفلس بلا مضمون أو معنى، إلا أنه ما زالت هناك مقاومة قوية تشهدها الساحة المسرحية وتتصاعد خلال الفترة الأخيرة بزعامة «المجهولين». طاقات فنية تبدع بلا ضجيج بارقة أمل تبعثها أنوار مسارح المجهولين إعلاميا ذائعي الصيت فنيا، أعربت عن نفسها بقوة وأجبرت الجميع على الانحناء لها، ولعل أبرزها مؤخرًا، ما أبدع عبر مسارح الدولة، مثل «قواعد العشق الأربعون» للمخرج عادل حسان، على مسرح السلام بالقصر العيني، و«يوم أن قتلوا الغناء» للمخرج تامر كرم، على مسرح الطليعة، وإن كانت الأولى الأكثر حظا من التناول الإعلامي بفضل ذكاء ومجهودات مخرجها في هذا الشق، بجانب أيضًا عدد من الفرق المستقلة التي تفاعلت مع قضايا المجتمع وملأت الفراغ المسرحي خلال السنوات الأخيرة. وتعج الأقاليم بكتائب مخرجين وممثلين وفنانين مسرحيين صامدين لا يقلون إبداعًا وحرفية عن قرنائهم من أهل الفن بالقاهرة، ولا ينقصهم سوى جزء من فرصة حقيقية لو أتيح لهم لقادوا المشهد المسرحي بمصر في السنوات المقبلة. والثقافة الجماهيرية بالمحافظات خير شاهدًا، رغم التدنى الحاد في الإمكانيات والموارد على كل الأصعدة، مقارنة بالقاهرة ومسرح «الترافيك» في الفضائيات، لكن هذا لم يمنعهم من إبهار أفواج الجماهير ممن يطرقون أبواب المسارح المفتوحة مجانًا لمشاهدة العروض التي تعاني ضعفا شديدًا في موارد الإنتاج، وبالتالي قصورا حادا في بند الدعاية والتوثيق، بل انعدامه، ومع ذلك استطاعوا عبر صفحاتهم المتواضعة على مواقع التواصل الاجتماعي جذب العاشقين للمتعة والفن. الفرقة القومية ببنها نموذجًا تعد مسرحية «مؤتمر غاسلي الأدمغة» للفرقة القومية ببنها، على خشبة قصر ثقافة بنها، ضمن فعاليات الموسم المسرحي الجاري تحت عنوان «المسرح للجمهور»، دليلًا حيا على براعة فناني الأقاليم، وشهادة جديدة توثق امتدادًا لعودة المسرح إلى قوته مجددًا في المحافظات، تكاملًا مع جهود وزارة الثقافة لإحياء قصور وبيوت الثقافة على مستوى الجمهورية، للقيام بدورها التوعوي وبناء وتغذية العقول وتحصينها في مواجهة غزو أفكار العنف والتطرف من خلال الفنون بتنوعاتها. مؤتمر غاسلي الأدمغة.. إسقاط الأزمة والعلاج نجح المخرج المسرحي إبراهيم المهدي، من خلال معالجته المعاصرة لرائعة المسرحي الشامل الألماني برتولد بريخت، «توراندوت» أو «مؤتمر غاسلي الأدمغة» التي لا تتبدد سطورها أمام الزمن، في تقديم وجبة فنية دسمة، عبر قالب متنوع بين الميلودراما والتراجيديا التي تحاكي المأساة، تخللها بعض من المواقف الكوميدية و«الإفيهات» البسيطة التي أثرت العرض وكسرت حدة التوتر في الأحداث، ليتمكن بحرفية شديدة باستخدام كل الأدوات المتاحة، من توظيف أحداث المسرحية لمواكبة واقع تشهده مصر منذ سنوات طويلة وليس وليد مرحلة بعينها، وذلك من خلال إسقاطات ذكية كاشفة، لامست قضايا عديدة ومفصلية مثارة حاليا محليا وعربيا أيضًا، أخطرها تسطيح الوعي وغسل أدمغة الشعوب. وتدور أحداث المسرحية حول ثورة غضب شعبية اندلعت ضد قيصر صيني، تطالب بالحريات والحقوق العامة وتوفير السلع الأساسية، بعد أن جمع بقوة منصبه محصول القطن من البلاد واحتكره لنفسه حتى اختفى تمامًا من الأسواق، بناءً على نصيحة من أعوانه ومساعديه، وعلى رأسهم أخوه وولي عرشه، لتخطر على بال القيصر فكرة عقد مؤتمر للحكماء الذين اعتادوا بيع حكمتهم للناس بأبخس الأثمان، حتى يبرروا للشعب أسباب اختفاء القطن والحلول البديلة، باختلاق أكاذيب منافية للعقل والمنطق. لكن يستمر الحال في التدهور ويلتف الشعب حول ثائر ينادي بحق العيش الكريم في وطن عادل يضم الجميع، حتى يضطر القيصر إلى الاستعانة بأحد قطاع الطرق وعصابته ويعينه رئيسًا للوزراء قبل أن يكلف -البلطجي- نفسه بمهام وزيري الدفاع والأمن، ليفرض قانون الطوارئ ويقبض على الثوار والمعارضين ويعدم عددا من القيادات ويعتقل شقيق القيصر، حتى يُمسك بزمام الأمور ويسيطر على الحكم. وعكس المهدي، خلال العرض ملامح أوضاع السلطة وصراعاتها وبطش الحكم الديكتاتوري وتخوخه تجاه أي حراك الشعبي، كاشفًا خدعة الديمقراطية المصطنعة الوهمية وتحكم السلطة في أدواتها، مستعرضًا حيل إدارة مراحل التحول وكبت الثورات ووأدها، من خلال تناول قضايا الاحتكار والفساد والظلم الاجتماعي وما يترتب على ذلك من فقر وبطالة وانتشار الجريمة والبلطجة التي تتحول إلى سلطة تتحكم في مصائر المواطنين بالتقادم. وتفضح المسرحية بشكل واضح عبر «شلة الحكماء» الأشبه بالدجالين والمرتزقة، الحال البائس لقطاع -بدا من العرض أنه غالب- المثقفين والمفكرين والفنانين والإعلاميين المنافقين فاقدي الضمير وعلى شاكلتهم رجال الدين الموجهون ومختلف قادة الرأي، وتسخيرهم واستخدامهم كأبرز أدوات القوى الناعمة سواء بالإغراءات أو الإجبار أو تطوع بعضهم دون تكليف، في قتل الحقيقة وإلهاء وتغييب الوعي العام للشعوب وتضليلها يإقناع المواطنين بالشيء ونقيضه في نفس الوقت، وكيف أنهم يقتاتون من خداع الناس وبيع الأكاذيب لهم. ويستخلص الجمهور في نهاية العرض حقيقة أنه لا خلاص من هذه الأزمات طالما ظل الوعي غائبا وسلم العوام أدمغتهم لمثل هؤلاء «الحكماء» الأفاقين، بعدما أغلق المخرج المسرحية بشكل درامي صادم لكل الحالمين الباحثين عن الخلاص والحرية، مستعينًا بأبيات من قصيدة «كلمات سبارتاكوس الأخيرة» لشاعر الرفض والتنبؤات الراحل أمل دنقل: يا إخوتي الذين يعبرون في الميدان في انحناء منحدرين في نهاية المساء لا تحلموا بعالم سعيد.. فخلف كل قيصر يموت: قيصر جديد! الذكاء يهزم ضعف الإمكانيات فرضت محدودية الموارد على كل صناع العمل المسرحي، أن يكونوا أكثر ذكاءً كما اعتادوا في التعامل مع الإمكانيات المتاحة كي يتفوقوا على الأزمات المترتبة، من خلال الاعتماد على البساطة والإتقان في التنفيذ، ليخرج العرض كوحدة فنية متكاملة العناصر ومترابطة البناء نجحت في توصيل الهدف المنشود منها، وذلك من خلال ديكور تميز بدقة تفاصيله وعدم التكلف، جاءت خلفيته الرئيسية كلوحة فنية مبدعة بعرض خشبة المسرح مقسمة لشرائح تتنقل فيها المشاهد بين الشارع ومقهى الحكماء وقصر القيصر وقاعاته وغرفه، من تنفيذ الفنانة نهاد السيد، والتي صممت الملابس أيضًا وأبرزت خلالها أبعادًا من سمات الشخصيات المرسومة داخل العرض. كما لعبت الإضاءة وتأثيراتها مع موسيقى وألحان أحمد الدمنهوري، وامتزاجها بالدراما الشعرية لعمر مهران، والتناغم الحركي في استعراضات محمد إسماعيل وتامر السيد، دروًا مهما في تعميق وترابط الحالة الدرامية للأحداث وتعزيز الحبكة في الانتقال بين المشاهد والأزمنة، بالإضافة إلى براعة الأداء والتعبير لدى فريق متنوع وموهوب من الممثلين الشباب معشق بالخبرات، نجح في تجسيد الرؤية العامة للمسرحية من خلال كل تفصيلة في أداء كل ممثل بجانب مساحة التلقائية والارتجال المحكمة والمحسوبة التي اتسقت مع المشاعر والأحاسيس التي فرضتها الأحداث بجانب تفاعل الجمهور مع العرض. كابوس الروتين يخنق الإبداع يقول مخرج العرض إبراهيم المهدي، إن ميزانية الإنتاج ارتفعت «وبقت معقولة» هذا الموسم عن السنوات السابقة، وكذلك زيادة ليالي العرض إلى 15 يوما، لكنه اشتكى من «كابوس الروتين» وما نتج عنه من تأخر صرف الميزانيات المقررة، والتسبب في تأخر العرض إلى فترة الامتحانات، وبالتالي اضطر إلى إيقافه بعد 9 أيام وتأجيل 6 عروض لشهر رمضان. ويرى محمد النبوي، أحد أبطال المسرحية، أن أكبر الأزمات التي تواجه مسارح الأقاليم والثقافة الجماهيرية عمومًا، تتمثل في غياب الدعاية المقتصرة على اجتهادات شخصية من المشاركين في الأعمال الفنية، والمفترض أن يتفرغوا فقط للتركيز في إخراج منتجهم الفني على أعلى مستوى، مشددًا على أن تجاهل المسؤولين لبند الدعاية والتسويق يعتبر إهدارًا للمال العام «لأني باقدم في النهاية خدمة ثقافية، لكنها لا تصل لمستحقيها المستهدفين منها». وطالب النبوي، إدارات الثقافة بأخذ هذه المهمة على عاتقها كجزء من مسؤولياتها، مقترحًا أن تقوم بتوجيه دعوات للجهات الحكومية والمؤسسات والشخصيات العامة والقيادات داخل المحافظة ومحيط الإدارة، كفكرة وحل أولي سريع يمكن تعميمه على مستوى الجمهورية. وشدد المهدي على أن النهضة الحقيقية للثقافة الجماهيرية لن تقوم لها قائمة، طالما ظل تولي المناصب القيادية في الهيئات والإدارات الثقافية وفروعها «مجرد وظيفة مرتبطة بمعايير الأقدمية والترقيه»، موضحًا أن اختيار مدير فرع ثقافي أو أي مكان مختص بالنشاط الفني والثقافي، لا بد بالضرورة أن يكون على علاقة بالمنتج المقدم «مش مجرد موظف، لأن الموضوع بقى مجرد أوراق وروتين». مواعيد العروض خلال رمضان مسرحية «مؤتمر غسيل الأدمغة» من بطولة عوني المصري، خالد معروف، محمد النبوي، إبراهيم جمال، والمطربين، عاصم علاء، أحمد الرباني، نور النوام، مساعدو الإخراج عز حلمي، رحمة المهدي، كريم خالد، المخرج المساعد خالد عيسى، المخرج المنفذ هاني سالم، إخراج إبراهيم المهدي. ويتواصل عرض المسرحية، على مسرح قصر ثقافة بنها، على مدار 6 أيام متواصلة، بداية من غد الخميس على أن يكون العرض الأخير يوم الأربعاء، وستشهد العروض توقفًا مؤقتًا يوم الجمعة فقط، نظرًا لانعقاد حفل لفرقة الموسيقى العربية ببنها. مهرجان المسرح للجمهور أطلقت هيئة قصور الثقافة مهرجان المسرح للجمهور موسم 2016/ 2017، لمدة 3 أشهر كاملة تتضمن 102 مشروع مسرحي بإجمالي عروض يصل إلى 700 ليلية لجمهور المسرح بأقاليم مصر، وتتواصل العروض خلال شهر رمضان الكريم، بالعديد من قصور الثقافة بالمحافظات، منها أسيوط والوادي الجديد وأرمنت وسفاجا والقنطرة شرق وبنها وبورسعيد والفيوم وبني سويف والمنوفية وكفر الشيخ وأسوان، والقاهرة.