أزمة حادة تشهدها العلاقات الدبلوماسية بين القاهرةوالخرطوم فى الوقت الراهن، لا سيما مع القرار المفاجئ الذى اتخذه السودان أمس "الخميس"، باستدعاء سفيره في مصر للتشاور معه، وهو ما أثار العديد من التساؤلات حول أسباب التحول فى الموقف السوداني، وما إذا كانت الخرطوم تضغط لدفع مصر نحو قبول تحكيم دولي في شأن الخلاف الحدودي أو على الأقل المقايضة بشأن القضية، وحقيقة وجود ارتباط بين تحركات الرئيس التركي أردوغان الأخيرة وما يحدث بين مصر والسودان. رسلان: القضية «مفبركة» يقول الدكتور هاني رسلان، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية ورئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، إنه لا يوجد سبب موضوعي للتصعيد بين مصر والسودان فى الوقت الراهن، سواء باستدعاء السفير السوداني من القاهرة أو الضجة الإعلامية المُثارة حول إرسال أسلحة مصرية لقاعدة عسكرية فى إريتريا، واصفا القضية ب"المفبركة"، حسب تعبيره. كان المستشار أحمد أبو زيد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، قد صرح بأنه تم إخطار السفارة المصرية في الخرطوم، أمس "الخميس"، رسميًا بقرار استدعاء سفير السودان في القاهرة إلى الخرطوم للتشاور، موضحا أن مصر ستقوم بتقييم الموقف بشكل متكامل لاتخاذ الإجراء المناسب. ويضيف رسلان أن الضجة المُثارة جاءت لجذب انتباه المواطنين حول أحداث خارجية تأخذ طابع التوتر والأزمة لمحاولة تطبيق الأسعار الجديدة، بعد أن تم رفع الأسعار طبقا للميزانية الجديدة مع بداية يناير الجاري، حيث أصبح الدولار الأمريكي ب18 جنيها بدلاً من 6.6 جنيه، وكذلك تم رفع سعر الدولار الجمركي ل18 جنيها، لترتفع الأسعار إلى 3 أضعاف المعتاد بالنسبة للسلع الاستهلاكية مثل الخبر والوقود والسكر. وحول ما إذا كانت تلك الأحداث سيكون لها تأثير على قضية سد النهضة، قال رسلان: "على الإطلاق لن يكون لها تأثير، لأنه لا يوجد سبب منطقي لما يحدث". الطويل: السودان يوظف الخلاف الحدودي كقضية للمقايضة عليه بينما تقول الدكتورة أماني الطويل مدير البرنامج الإفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن العلاقات بين مصر والسودان واجهت أزمة متصاعدة خلال عام ٢٠١٧، ويرجع ذلك إلى محاولة الخرطوم دفع القاهرة إلى فتح ملف الخلاف الحدودي بين البلدين في منطقة حلايب وشلاتين، وذلك بتقدير أن مصر في أضعف حالاتها إزاء السودان بسبب سد النهضة المُستهدف من إثيوبيا، مهددا للأمن المائي المصري. وأوضحت الطويل أن السعي السوداني يراهن على دفع مصر نحو قبول تحكيم دولي في شأن الخلاف الحدودي أو على الأقل فتح حوار مباشر مع الخرطوم في هذا الشأن، منوهة بأن التحركات السودانية تلبي توجهات فريق لا يستهان به من الإدارة في السودان يستهدف إنهاك مصر، خصوصا بعد إزاحتها حكم «الإخوان المسلمين» في منتصف ٢٠١٣. وألمحت أماني ل"التحرير" إلى تجاهل السودان الاعتبارات الاستراتيجية المرتبطة بدعم الوزن الإقليمي لإثيوبيا، وأقدمت على إقامة تحالف إستراتيجي يتضمن اتفاقات دفاعية مع أديس أبابا منتصف ٢٠١٧، وقامت إثيوبيا بعده بالاعتراف بحلايب وشلاتين كأراضٍ سودانية، كما استقبلت الخرطوم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يدعم إخوان مصر. ونوهت بأن توظيف النظام السياسي السوداني حلايب وشلاتين كملف للمقايضة مع مصر؛ إلى جانب تحالفه مع إثيوبيا المؤسس على إمكانية الاستفادة من الطاقة الكهربائية لسد النهضة يشكل مخرجا ولو محدودا من أزمة الطاقة في السودان، ويضمن نوعا من الشعبية للنظام السياسي السوداني بسبب مخاطبته الذات الوطنية السودانية. الجدير بالذكر أن وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور، كان قد أكد في حوار مع قناة "TRT" التركية، أن منطق التكامل والتعاون بين الخرطوموالقاهرة ربما لا يصل إلى عقل المسؤولين في مصر، مشيرًا إلى أن سبب منع استيراد سلع مصرية في السودان يعود إلى أسباب فنية واقتصادية. وأضاف غندور أن "الخلاف بين مصر والسودان خلاف بين جارين وخلاف على حدود وخلاف على مصالح، ولكن دائما ما نُذكر أشقاءنا في مصر أن ما لدينا من إمكانيات يمكن أن يجعل في التعاون ما بين السودان ومصر مشروعا تكاملا، ويجعل هناك قوة اقتصادية وسياسية كبرى في وادي النيل". وأكمل قائلًا: "يبدو أن هذا الفهم لا يصل إلى عقل إخواننا المسؤولين في مصر". وتابع حديثه بأنه يبدو أن البعض يعمل بمقولة معروفة في عالم السياسة، وهي "لا تجعل جارك يقوى حتى لا يفكر في حقوقك أو حقوقه حتى". كان موقع إثيوبي إخباري قد أشار الأسبوع الماضي إلى أن مصر قدمت مقترحا لأديس أبابا باستبعاد السودان من مفاوضات سد النهضة، وهو ما نفته الخارجية المصرية الثلاثاء.