قرية صغيرة تقع على بحيرة قارون وعلى بعد 60 كيلو مترًا من مدينة الفيوم، وتتميز منازلها بأشكال معمارية مصممة من الحجر الأصفر والقباب تشبه المنازل الإيطالية والأوروبية، إنها قرية "تونس" التي تبهرك روعتها وجمالها وانتشار الزرع الأخضر في كافة أرجائها، بالإضافة إلى الأشجار والزهور المختلفة التي تُزين شوارعها، فضلًا عن تحول حوائط المنازل إلى لوحات فنية رائعة. منذ 48 عامًا، أتت إيفيلين إلى "تونس"، مع زوجها السابق الشاعر سيد حجاب، القرية التي أبهرتها فقررت العيش فيها، وبينما كانت تسير "إيفيلين" في الطرقات تستمتع بجمال القرية الناتج من تزاوج الزرع الأخضر بمياه بحيرة قارون الصافية والجبال الصفراء، رأت الأطفال يصنعون الحيوانات والجرارات والسيارات من الطين، فقررت فتح مدرسة لتعليم صناعة الفخار بشكل عملي وحرفي. وما إن افتتحت "إيفيلين" المدرسة حتى هرع إليها أهالي القرية كلها ليتعلمون فيها بنسائهم وأطفالهم وشبابهم، إلى أنّ بلغ عدد الملتحقين بالمدرسة سنويًا 200 شخصًا تتراوح أعمارهم من الثامنة وحتى الثلاثون، أمّا في الصيف فيتجاوز عدد الملتحقين بالمدرسة ال 600 شخصًا. وبفضل "إيفيلين" تخرج العشرات من مدرستها بعدما احترفوا صناعة الفخار وافتتحوا ورش خاصة بهم، وتحولت القرية بالكامل إلى ورش لصناعة الفخار ومعارض لمنتجات الفخار سواء التي تستخدم في الطعام والشراب أو التي تعلق على الحوائط لتزين المكان. لم تكتف إيفيلين بهذا الحد بل قررت أن تصل القرية إلى العالمية فبدأت تروج للفخار في معارض أجنبية وافتتحت محال ثابتة لبيع الفخار في عدة دول أجنبية منها بلجيكاوسويسرا بالإضافة إلى عمل مهرجان دولي سنوي في القرية. "التحرير" تجولّت داخل المدرسة، وتحدثت إلى العاملين بها، وقالت صباح مصطفى (17 عامًا) إنها دخلت إلى المدرسة منذ 7 أعوام وتعلّمت صناعة الفخار والآن أصبحت تعمل بشكل دائم في المدرسة وتحصل على نسبة 40% من المبيعات، موضحةً أنّ إيفيلين علّمت فتيات القرية الاعتماد على أنفسهن منذ الطفولة، والإنفاق على أنفسهن من خلال عملهن معها. وعن مراحل صناعة الخزف، أوضحت "صباح" أنّ "أم أنجلو" "إيفيلين كما تحب أن يناديها أهالي القرية" تُحضر الطمي الأسواني ومعه الكاولين وبعض المواد الأخرى ويتم خلطهم بالماء وتترك في أحواض لمدة تتراوح من 10 إلى 15 يومًا. وبعد ذلك يتم غربلة الطمي لتصفيته من الشوائب ثم يتم وضعه في أجولة في الشمس لتصفيته من المياه وصنع العجينة التي سيقومون بتشكيلها وذلك يستغرق 10 أيام، وبعد ذلك تصبح جاهزة للتشكيل فآخذها وتقوم بضربها على قطعة رخام لتفرغها من الهواء. المرحلة الأكثر صعوبة هي تشكيل الفخار على الدواليب لأنها تحتاج إلى موازنة حركة القدم واليد معًا حيث يتم تصنيع الأواني والأطباق المختلفة والأكوواب بأحجام وأشكال مختلفة، بالإضافة إلى بلاط مسوم عليه يدخل في تزيين الحوائط والمنازل. وتابعت صباح "بعد تشكيل الفخار بنسيبه في الشمس ينشف وبعد كدة نبطنه، ونرسم عليه أشكال من حوالينا من الطبيعة زي الزرع أو الورد أو العصافير، أو الحمير وغيرها، وكل واحد بيتعلم رسمة تبقى مميزة بتاعته هو مجرد ما تشوف الشغل من غير ما تقرأ الاسم تقول دي بتاعت فلان". وهنا تأتي مرحلة تلوين الرسم، ووضعه في فرن تم صنعه من الطوب الأحمر ويستخدم السولار أو المازوت لحرق الفخار لمدة 8 ساعات ثم يفتح الفرن حتى يتم تهوية الفخار ويخرج بعد أن يبرد ويتم عرضه في المعرض داخل المدرسة حتى يتم بيعه. وتحلُم "صباح" بأن تُشارك في المعارض الدولية خارج مصر، وتسافر إلى أكثر من دولة أوروبية، كما تتمنى أن تفتتح الورشة الخاصة بها لتعمل فيها بمفردها، وتعرض منتجاتها للبيع داخل معرض صغير خاص بها، وتُصبح مشهورة مثل "إيفيلين". وطالبت "صباح" الحكومة بمنح "إيفيلين بيوريه" الجنسية المصرية، قائلة "نفسي يدوا الجنسية المصرية لمدام إيفيلين هي عايشة هنا بقالها 48 سنة ومش راضيين يدولها الجنسية رغم إنها خدمت البلد دي كتير وعملت حاجات لينا الحكومة مكنتش هتقدر تعملها، وهي السبب في إن قريتنا بقت عالمية وفيها أغلى فنادق والأجانب بيسيبوا بلادهم وييجوا يعيشوا هنا". وختمت كلامها بأنّ "إيفيلين" من شدة حبها للقرية ترتدي ملابس الفلاحين، وتشرب من "الطلمبة" مثلهم، وتسير حافية القدمين، وتكره من يتحدث بالإنجليزية أمامها، والأغرب من ذلك ترفض السفر إلى بلدها سويسرا، وأوصت أن تدفن بعد وفاتها في حديقة منزلها بالقرية.