لم يكتفوا بانتهاك حرمة الموتى، بل لم يتعظوا من الموتى أنفسهم، فبدلاً من المرور عليهم لقراءة الفاتحة على أرواح الراحلين عن دنيانا، عاثوا فى الأرض فسادًا، ضاربين بكل الأعراف عرض الحائط، حولوها لأوكار حقيقية، ترتكب فيها أبشع الجرائم والانتهاكات ليل نهار فى غياب واضح لأجهزة الأمن والمحافظة. «مقابر عين شمس».. تلك المساحة الشاسعة من الأراضى، التى تقع بشارع العشرين بالحى الشعبى، التى تتخطى ال50 فدانًا، سكنها أرباب السوابق بالمخدرات و«لزوم الكيف» بكل أنواعه، تجولت «التحرير» بها لتكتشف كل ما هو مسكوت عنه يرتكب فى «حضرة الموتى»، بيع الأقراص المخدرة منتشر داخل المقابر، وتعاطى جرعات الهيروين والمخدرات واضح عيانًا بيانًا أمام الجميع. ما أن تطأ قدماك مدخل مقابر عين شمس، حتى تجد على يمينك ممرًا طويلًا على يمينه سور المقابر ومن اليسار مدافن الموتى، حقن المخدرات الفارغة وكذا المليئة بدماء المتعاطين لتلك السموم واضحة للغاية فى هذا الممر، الذى يسكنه الموتى. يقول "محمد. ع"، أحد سكان منطقة عين شمس، إنهم فاض بهم الكيل جراء الانتهاكات، التى تدور داخل منطقة المقابر، لدرجة أنهم فكروا فى عمل لجان شعبية لحفظها من أرباب السوابق، مشيرًا إلى انتشار المسجلين خطر والخارجين عن القانون فى أوقات الصباح الباكر وعقب غروب الشمس بين جنبات تلك المدافن التى أنّ واشتكى أصحابها جراء عدم احترامهم وهم فى عالمهم الآخر. داخل الممر المقابل من الناحية الشمالية للمقابر تجد كذلك «السرنجات» فى كل مكان، حتى امتلأت أعلى تلك المقابر ب«الحُقن» وكذا شرائط الترامادول، وهو الأمر الذى يعلق عليه خالد، 40 سنة، صاحب ورشة مقابلة للمقابر، قائلاً «قسم شرطة عين شمس عامل ودن من طيب وودن من عجين حتى المجلس المحلى وحى عين شمس مش موجود بالمرة»، موضحًا أن غياب رجال المباحث لدرجة جعل من انتشار هؤلاء المسجلين وأرباب السوابق أمرًا طبيعيًا لدى سكان المنطقة بشارع أحمد عصمت والعشرين. الكلاب الضالة وجدت لها مكانًا هى الأخرى لتحتمى من حرارة الشمس وكذا انتشار القمامة والمخلفات داخل أروقة المقابر، إلا أنها تهدد أهالى الموتى المترددين، وهو ما يستعرضه «عم جمال» صاحب الخمسين عامًا، بقوله «مابقتش عارف ألاقيها منين ولا منين، فبعيدًا عن الناس الذين يتهافتون عليك منذ دخولك لإعطائهم أموالًا مقابل رش جرادل المياه أمام المدفن الخاص بعائلتك، كنت رايح أقرا الفاتحة على روح أبويا معرفتش أدخل من الباب أصلًا بسبب الكلاب الضالة واضطريت أرجع وأدخل من الباب التانى من ناحية شارع أحمد عصمت». يشرح جمال ل«التحرير»، موضحًا أن القائم على حراسة المقابر من الأساس يقوم ببيع الجماجم وبناء لحود لبيعها للراغبين، ثم يقوم بهدمها، ومن ثم بيعها مرة ثانية كمدفن فى غياب حى عين شمس، وكذا رجال الشرطة، لافتًا إلى أن الجميع من سكان المنطقة فاض بهم الكيل، ولم تفلح محاولاتهم للحد من تلك الممارسات غير القانونية، التى ترتكب داخل تلك المدافن. وأشار جمال إلى أن عتاة الإجرام من شارع محمد، إمام المعروف عنهم الاتجار بالمخدرات يتخذون «مقابر العشرين» مرتعًا ووكرًا لممارسة أفعالهم الإباحية، حيث يخطفون الفتيات ويعتدون عليهن جنسيًا تحت تهديد السلاح فى ظلمة الليل فى جنبات طرق المدافن، ولوّح بيده مشيرًا إلى الممرات التى تُمارس فيها تلك الأعمال الجنسية، على مرأى ومسمع من القائمين من الأساس على حراسة المدافن، لافتًا إلى أنهم غير معروفين هل يتبعون الحى أم جمعية شرعية أم ماذا. يستكمل الرجل حديثه، موضحًا أنه وقديمًا كانت المقابر مساكن ومأوى لمن تهدمت منازلهم، أما الآن فأصبحت أوكار للمسجلين خطر، والصادر ضدهم أحكام قضائية فى قضايا جنائية، يتم ارتكاب أبشع الجرائم بداخلها، بل وتطوّر الأمر إلى إخفاء جثث القتلى فى المشاجرات، فيما بينهم داخل تلك المقابر ودفنها فى اللحود العائمة على الأرض الشاسعة دون رقيب وبلا أوراق رسمية. ورصدت «التحرير» خلال جولتها وجود بعض الممرات أشبه بالعشش يلجأ إليها أطفال الشوارع والمشردون لإقامة سهرات شيطانية والمبيت فيها، فضلًا عن انتشار الرائحة الكريهة التى تؤذى وتعذب أهالى الموتي من المترددين علي المقابر. بسبب اللا مبالاة وعدم اهتمام المسئولين علي مدار السنوات تحوّلت مقابر عين شمس لبؤرة إجرامية، تحولت بفعل الإهمال الصارخ مأوى للخارجين على القانون والبلطجية واللصوص وأرباب السوابق ومدمني المخدرات، وهو ما أكد عليه أحد الأهالى فى العقارات المجاورة للمقابر، رفض نشر اسمه، لأنه بات معروفًا لأولئك اللصوص والبلطجية، الذين يسكنون المقابر ليلًا بسبب تكرار التشاجر معهم وإرساله عدة شكاوى لحى عين شمس دون جدوى، واختتم «مفيش حتى بوابات حديدية للمقابر»، لافتًا إلى اكتشاف بعض المواطنين «اختفاء لحودهم وضياع رفات ذويهم الموتى».