مضت 50 عامًا على مساع إسرائيل بضم هضبة الجولان السورية إلى سيادتها، ولاتزال تل أبيب تحاول الحصول على الاعتراف بأحقيتها للمنطقة، لكن رفض المجتمع الدولي تلك الخطوة واعتبار القوات الإسرائيلية "معادية"، خلق حالة عداء شديدة في تل أبيب، ودفعها لاتخاذ تدابير احترازية من أجل فرض سيطرتها، ضاربة بالقرار الأممي عرض الحائط. على الفور، استغلت إسرائيل وجود جماعات إرهابية داخل الأراضي السورية كذريعة، للترويج بأن سوريا أصبحت على حافة الهاوية، في محاولة منها لبث روح اليأس في نفوس السوريين، وإجبار المجتمع الدولي وبالأخص أمريكا والاتحاد الأوروبي على الاعتراف بضم هضبة الجولان إليها ومنحها شرعية دولية. قصف متبادل لكن الإرادة السورية، تسببت في أزمة لدى تل أبيب، حيث أطلقت القوات السورية 3 قذائف شمال هضبة الجولان السوري المحتل، إلا أن تل أبيب سارعت في الرد، وشنت عدة غارات جوية تسبب في إحداث خسائر طفيفة. لم تكتفي إسرائيل بذلك، بل وجهت تحذيرًا شديد اللهجة أمس السبت، إلى دمشق، متوعدة إياها بالرد على أي هجمة، واتخاذ تدابير من شأنها تقويض سوريا وداعميها. المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، استنكر التصعيد السوري في المنطقة، مرجحًا في الوقت نفسه سبب سقوط القذائف إلى المعارك الدائرة في الأراضي السورية، مؤكدًا أن بلاده تتمسك بسياسة عدم التورط في الحرب الأهلية السورية، وأنه لن يُقبل بانتهاك سيادتنا". ويعد ذلك الحادث هو الثاني خلال يوم واحد، حيث سقطت قذيفة صاروخية أول أمس، على شمال هضبة الجولان، إلا أن مروحية إسرائيلية قصفت نقطتين عسكريتين تابعتين للجيش السوري، الأولى في محيط بلدة الصمدانية الشرقية والثانية عند أطراف مدينة البعث بريف القنيطرة. وأكد جيش الاحتلال أن قذيفتين سقطتا في هضبة الجولان نتيجة معارك داخلية في سوريا، منوهًا إلى أن النظام السوري يتحمل مسؤولية أي انتهاك لحدودها، وأنه سيتم الرد بشكل ملائم. الرد الحالي اعتبره الإعلام الإسرائيلي تحولًا في سياسة الأسد، فماذا وراءه؟ تحول الأسد كبير الباحثين في المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي الإسرائيلي إساف أوريون، قال: إن "الرد السوري يعتبر تحولا كبيرا، فحتى الآن كان قصف إسرائيل لقوافل حزب الله في الأراضي السورية، يمر عادة بدون رد أو برد غير مهم من قبل الجانب السوري"، أما الآن فالنظام السوري يحاول أن يقول لإسرائيل لا يمكن أن يتحمل أي هجوم بعد اليوم، وأن مثل هذا الهجوم لن يمر مرور الكرام". وتابع "أن تم تعزيز موقف الرئيس بشار الأسد في الأشهر الأخيرة بعد أن استعادت قواته مدينة حلب الإستراتيجية، في ظل استمرار الدعم الروسي والإيراني له. بينما علق مستشرق إسرائيلي بالقول: إن "ضباط حزب الله رافقوا صحفيين وتفاخروا بأن إسرائيل تدافع عن نفسها على طول الحدود، وهي تقوم بحفر الأنفاق وتعزز من دفاعتها خشية هجوم قواتهم على مواقعها، ولإظهار من هو المسيطر الحقيقي في لبنان". فهل تُعتبر التحذيرات الإسرائيلية، ذريعة لمواصلة العمليات العسكرية في الجولان وفرض النفوذ دون الالتفات إلى العواقب التي قد تنتج عنها؟. "تسفي هاوزر" المقرّب من رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، دعا إلى استغلال الظروف الجديدة التي نجمت عن الحرب في سوريا وانهيار الدولة السورية والتغييرات في الشرق الأوسط، للعمل بكل جهد من أجل أن يعترف العالم بضم إسرائيل للجولان ومنحه شرعية دولية. وأوضح "هاوزر" أنه يتعين على إسرائيل أن تبذل الجهد للحصول على اعتراف الولاياتالمتحدة بضرورة بقاء الجولان السوري تحت السيادة الإسرائيلية عبر وعد رئاسي من البيت الأبيض وقانون من الكونجرس الأمريكي. استنكار مصري أمريكي الأمر الذي استنكرته مصر، ودفعها إلى قيادة حملة في نوفمبر الماضي، بالأممالمتحدة بهدف الانسحاب الإسرائيلي من الجولان حتى حدود 4 يونيو 1967. أما الموقف الأمريكي فلا يزال هناك تحفظ في اتخاذ خطوات فعلية تجاه سيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان، بل وصل الأمر إلى أن دونالد ترامب طلب من نتنياهو، عدم فرض وقائع جديدة على الأرض. رفض أممي على جانب آخر، ترفض الأممالمتحدة استيلاء إسرائيل على منطقة الجولان، مؤكدة أن قرار فرض السيطرة بالقوة غير مقبول، معتبرة أن قرار نتنياهو ملغي وباطل ومن دون فعالية قانونية على الصعيد الدولي وتعد قوة محتلة. ورغم الإدانة الأممية، إلا أن مجلس الأمن لم يفرض عقوبات على إسرائيل بسبب قرار ضم الجولان، حيث أنها ترى من الناحية العملية أن "قانون الجولان" أدى إلى إلغاء الحكم العسكري. ومن هذا المنطلق، بادر رئيس الوزراء الإسرائيلى بزيارة إلى موسكو في إبريل الماضي، بهدف إفشال أي حلٍ سياسيٍ يحافظ على وحدة أراضي الدولة السورية ويعيد الجولان المحتل إليها، وأيضَا لرفع مستوى التنسيق العسكري والأمني بين إسرائيل وروسيا بخصوص نشاطهما العسكري في سوريا. وحرص نتنياهو خلال الزيارة على التأكيد أمام وسائل الإعلام أن هضبة الجولان "خط أحمر" بالنسبة لإسرائيل، ولن تنسحب منها تحت أي ظرف، وأن أي حل للصراع في سوريا يجب أن يُقِر بذلك. تضارب إدارة ترامب وهو ما دفع السفير الأمريكي الجديد فى إسرائيل، ديفيد فريدمان، بالقول: إن "هضبة الجولان منطقة استراتيجية بالنسبة لإسرائيل وليست محل نزاع"، مضيفًا "يُمكن أن نتصور كيف كانت ستعاني إسرائيل لو لم يكن الجولان تحت سيطرتها، كان بإمكان داعش السيطرة عليه". تصريحات السفير الأمريكي تؤكد التضارب داخل البيت الأبيض، وهو ما قد يدفع إدارة ترامب إلى السير على خطى باراك أوباما، برفض المقترح جملة وتفصيلًا. وتعد قضية "الجولان" وطنية عربية، كونها احتُلت عام 1967 إثر نشوب حرب عربية إسرائيلية، وتسعى الأطراف المتناحرة إلى إعادتها لأحضانها، لكن يبدو أن حربًا جديدة بمقدورها إنهاء الصراع الذي دام 50 عامًا.