كتب- أحمد مطاوع تحول تناول السحر والشعوذة في دراما رمضان إلى أيقونة تثير غضب المغاربة، وكأنه طقس موسمي يتجدد مع الشهر الكريم، إذ اعتادت المسلسلات مجاراة المجتمع المصري عبر رصد انشغال قطاع ليس بالهين منه، بعالم الجن والسحر ظنًا منهم بحل الأزمات والمشاكل الاجتماعية والصحية والاقتصادية وكل ما يؤرق النفوس عبر الأحجبة والأعمال والوصفات وما إلى ذلك مما يروجه ويبيعه لهم الدجالين، أو عن طريق الاستعانة ببعض السحرة المغربيين في الأمور المعقدة، وكان آخر تلك الأعمال التي ربطت بين المغرب والشعوذة "عفاريت عدلي علام" بطولة عادل إمام وتأليف يوسف معاطي، والمذاع حاليًا على فضائية "إم بي سي مصر". وشن نشطاء مغربيون على مواقع التواصل الاجتماعي، هجومًا ضاريًا صوب الفنان عادل إمام، متهمين إياه بإهانة الشعب المغربي، وأن المسلسل ألصق بالمغاربة صفات السحر والشعوذة، وأنهم متفوقون في الخرافات والدجل وهي صورة نمطية عنهم في الأعمال المصرية، مطالبين الزعيم وصناع "عفاريت عدلي علام"، بتقديم اعتذارًا رسميًا لشعب المغرب، معتبرين ما تناولته أحداث المسلسل عنهم "إهانات لشعب عربي كريم". وكان المشهد الذي أثار حفيظة وغضب المغاربة، في الحلقة الخامسة من المسلسل، قد جمع الفنانة هالة صدقي "زوجة عدلي علام"، بالفنان أحمد حلاوة "الدجال صادق"، والتي ذهبت له كي يحل لها مشكلة طلاقها، ليخبرها "أنها معمول لها عمل شديد أوي، واللي عمله رجل مغربي من مراكش". هجوم مغربي متكرر للمسلسلات المصرية الهجوم على الزعيم عادل إمام، لم يكن الأول تجاه فنان مصري، فهو متجدد مع كل موسم رمضاني يتطرق مسلسل إلى قضية السحر والدجل، وترتبط أحد مشاهده ب"شيخ مغربي"، ومن هذه المسلسلات "تفاحة آدم" للفنان خالد الصاوي، و"خلف الله" للفنان نور الشريف، وغيرها. هذا بخلاف الإعلانات التي تعرض بشكل دائم على مدار العام عبر قنوات فضائية غير مرخصة، تروج لأعمال السحر وفك الأعمال وجلب الحبيب.. إلخ، والمرتبطة أيضًا بالمغرب،مثل "الشيخة أم خديجة المغربية"، التي قُبض عليها مؤخرًا. لكن وسط هذا الهجوم، وفي المقابل إصرار الأعمال الفنية المصرية على إبراز صورة المشعوذ المغربي، تظهر فجوة النكران والتأكيد، ورغم أن ارتباط السحر بالمغرب ليس وليد اللحظة بل يمتد لعقود طويل، إلا أن الغضب لم يظهر في السنوات الأخيرة، ما يضعنا أمام طريقًا للبحث حول الأسباب، من خلال بحث استطلاعي سريع في المغرب للتعرف على سر نكرانهم لوجود السحر والشعوذة. لماذا ينكر المغاربة علاقتهم بالشعوذة؟ يطلق المغاربة على السحرة الكبار اسم "فقها"، ومنهم مسلمون وحاخامات يهود وأوروبيون -إسبان ويونانيون تحديدًا- بالإضافة إلى الأفارقة والخليجيون، وهؤلاء هم الأكثر احترافًا، فهم "أباطرة السحر الأسود"، يعيشون في قرى صغيرة، ولا يفضلون التواجد في المدن إلا خواصًا منهم، وذلك حسب خريطة توزيع مرتبطة بتخصصاتهم، ويأتي إليهم السحرة الأجانب من العديد من الدول، وما دون هؤلاء مجرد عرافين بسطاء وشوافات أقزام. إحصائيات: 78% من المغاربة يؤمنون بالسحر كشف تقرير صدر في النصف الثاني من عام 2012، عن المركز الأمريكي "بيو" للأبحاث نقلته "العربية"، أن ما يعادل 86% من المغاربة مقتنعون ب"وجود الجن"، مقابل 78% يؤمنون ب"السحر"، و80% متأكدون من حقيقة "شر العين"، في حين لا تتجاوز النسبة 7% ممن أقروا بارتداء "تعويذات"، و16% من مستعملي "وسائل أخرى لطرد شر العين ومفعولات السحر". وأشار التقرير إلى أن حوالي 3% منهم متفقون مع ضرورة "تقديم قرابين للتقرب من الجن"، و29% يرون زيارة قبور الأولياء "أمرًا مقبولًا"، كما أن 96% من المغاربة "يعلقون آيات قرآنية داخل بيوتهم"، و29% منهم يتناولون "أدوية تقليدية موصى بها دينياً" للعلاج. باحث مغربي: ساسة ومثقفون ومسؤولون كبار يقصدون المشعوذين يقول علي شعباني الباحث المغربي في علم الاجتماع، إن صياغة الأمر في أرقام صعب جدًا، وإن السحر موروث شعبي ينشط في كثير من المجتمعات المتخلفة والتي لم يزدهر فيها التفكير العلمي، ولا يسود فيها المنطق، إذ يؤمن الناس بالسحر عندما يعجزون عن تفسير بعض الظواهر تفسيرًا علميًا أو منطقيًا، فيصبح السحر والشعوذة تفسيرًا لما يعجزون عن فهمه. وأقر الباحث المغربي، خلال تصريحات ل"الحرة"، أن بعض رجال السياسة وكبار المسؤولين، يقصدون السحرة والمشعوذين، اعتقادًا من بأنهم سضمنون لهم المنصب أو سيصلون إلى المكانة التي يسعون إليها، مشيرًا إلى أن مثقفين يقدمون على نفس الفعل. ورفض شعباني، ربط صفة الشعوذة والسحر بالمغربية لأنها "صورة نمطية قد لا تكون صحيحة، لأن السحر موجود في كل المجتمعات، وتمارس في العديد من البلدان العربية وغير العربية. وترى كريمة الودغيري، الباحثة المغريبة في علم الاجتماع، أن انتشار الشعوذة بالمجتمع المغربي يعكس سيادة الثقافة التقليدية اللاعقلانية، حيث يتم تفسير كل شيء بالغيب، مشددة على أن تجارة بيع الوهم أصبحت مزدهرة في ظل غياب الوازع الديني والروحي، خاصة أيام الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. سر غضب المغاربة من الدراما المصرية تبذل المغرب خلال السنوات الأخيرة، جهودًا لإبراز الصورة الذهنية الحضارية للبلاد، من خلال تقديمها كنموذج استثنائي ومتفرد، وأنها البلد العربي الوحيد الذي تندمج فيه جميع الثقافات بكل أريحية، في ظل تنوع ديني أيضًا ونشاط إبداعي مميز. وترى تقارير صحفية محلية، أن المسلسلات المصرية والخليجية التي تربط المغرب باحتراف السحر والدجل، تسيئ للبلاد وللشعب المغربي، مطالبة بوضع حد لهذه الإساءات التي يصفونها ب"المتعمدة" في حقهم.