بعد أسبوع من اشتعال الأزمة الأوكرانية تتابع واشنطن بقلق كبير الخطوات المنتظرة وأيضا المفاجئة التى قد تأخذها موسكو فى الأيام المقبلة. الاتصالات المكثفة والمشاورات المطولة والمستمرة لم تصل بعد إلى نتائح ملموسة إلا أن واشنطن لا تزال تأمل فى التوصل إلى حل أو مخرج دبلوماسى قبل أن يكون ضم القرم إلى روسيا أمرًا واقعًا لا تراجع فيه، والأخطر أن تزداد الأزمة الأوكرانية اشتعالًا وانتشارًا فى مناطق أخرى، سواء فى أوكرانيا أو دول الجوار، وبالتالى تصل المواجهة الأمريكية الروسية إلى طريق اللا عودة. واشنطن تتابع باهتمام كبير وقلق بالغ خطوات وتحركات موسكو فى إحكام قبضتها على القرم وضمها إلى روسيا وأيضا لما تلوّح به موسكو من ضغوط وحصار على أوكرانيا إذا تمادت فى مطالبها ورفضها. ونُقل عن مصادر مقربة من البيت الأبيض أن الرئيس أوباما يتخذ فى الوقت الحالى موقفَ «فلننتظر لنرى» وذلك بعد اتصالات ومشاورات ومفاوضات مكثفة تمت بين واشنطنوموسكو من جهة وواشنطن وحلفائها الأوروبيين من جهة أخرى فى محاولة لإيجاد حل أو مخرج دبلوماسى.. وأيضًا تضييق الخناق ودفع روسيا للتراجع عن موقفها. وذكر أن الرئيس أوباما قبل أن يتوجه إلى فلوريدا أجرى مكالمة هاتفية مع أنجيلا ميركل مستشارة ألمانيا، وأن ميركل حسب ما ذكرته مصادر مطلعة كانت ولا تزال غير متحمسة لفرض عقوبات شديدة ضد روسيا، لأن لألمانيا علاقات اقتصادية قوية ومتشابكة مع روسيا. الرئيس أوباما توجه إلى فلوريدا لإلقاء خطاب عن التعليم وفى صحبته عائلته، وذلك لقضاء ال«ويك إند» هناك. وذُكر، نقلًا عن مساعديه، أنه على اتصال دائم بمستشاريه ويواصل متابعته للأوضاع فى أوكرانيا. وكانت واشنطن قلقة تجاه ما جاء إليها من أنباء بأن فريقا مكونا من 40 عضوًا ممثلين ل22 دولة أعضاء فى «منظمة من أجل الأمن والتعاون فى أوروبا» قد تم منعه من دخول القرم يوم أول من أمس الجمعة، وذلك لليوم الثانى على التوالى. والفريق كان مكونا من عسكريين ومدنيين بهدف التعرف على الأوضاع فى القرم وإعداد تقريرعنها. وحسب ما قاله البيت الأبيض عن المكالمة الهاتفية الأخيرة التى تمت بين أوباما وبوتين فإن أوباما حث بوتين على أن يقرر إجراء المباحثات المباشرة مع الحكومة الجديدة فى كييف وأن يسمح بمرور المراقبين الدوليين إلى القرم. كما طلب أوباما منه فى المكالمة التى استمرت نحو الساعة أن يعود الجنود الروس إلى ثكناتهم فى القرم. وبالطبع المكالمة كان لها توصيف روسى مغاير لرواية البيت الأبيض، يعكس هوة الخلاف الروسى والأمريكى. من جهة أخرى استمرت واشنطن فى التلويح بالعقوبات من جانبها فى حين حذرت موسكو من تبعات تلك العقوبات على أمريكا ذاتها وبأن «السهم سوف يرتد إلى راميه» وسوف تدفع واشنطن ثمن وقفاتها الحالية. التراشق الإعلامى المتبادل بين واشنطنوموسكو مستمر ويزداد حدة، خصوصًا فى مقالات الرأى.. بعد أن عاد إلى الأضواء من جديد كل من له كلمة أو رأى أو خبرة فى الشأن الروسى. وفى سياق متصل نشرت «واشنطن بوست» أمس وعلى صفحتها الأولى تقريرًا عن الرئيس السورى وكيف أنه يحاول الاستفادة من المواجهة الجارية الآن بين واشنطنوموسكو فى تجاهل ما كان منتظرًا منه أن يفعله من خلال الوساطة الروسية الأمريكية، وأنه يسعى لبسط نفوذه وتنفيذ خططه للبقاء فى الحكم والقضاء على معارضيه! وهذا التقرير عكس ما يدور من نقاشات فى واشنطن حول تبعات انشغال الإدارة وتخبطها فى الأزمة الأوكرانية، خصوصا فى ما قد يحدث فى سوريا وأيضا فى المنطقة ودول أخرى فى العالم جراء موقف موسكو الحاسم وتردد واشنطن المعتاد وتلكؤ برلين المحير. ولم يكن بالأمر الغريب أن يطرح هذا الأمر بشدة وإلحاح من جانب أعضاء فى مجلس الشيوخ فى جلسة عقدتها لجنة العلاقات الدولية، وهم يناقشون معًا تبعات ملفى سورياوأوكرانيا. والقضية المثارة كانت ولا تزال هى مصداقية إدارة أوباما، وبالتالى أمريكا.. ومدى استعدادها لمواجهة التحديات الدولية وتحمل مسؤولياتها، لا أن تكون فى موقف المتردد والمتخبط والحيران والمتراجع بحجج لا تقبلها شعوب العالم. أوكرانيا اليوم مثل سوريا الأمس تعكس اللا موقف الأمريكى.. وترى من سيكون الضحية فى الغد؟! واشنطن فى الأيام الأخيرة تدرس كل الاحتمالات وتناقش كل السيناريوهات. ويتابع أهل واشنطن تطورات الموقف الأوروبى تجاه الأزمة الأوكرانية، وكيف أن التشدد الواضح فى مواجهة روسيا أصبح يشوبه تردد فى الأيام الأخيرة. وكيف أن روسيا لا تتراجع إلا أنها يجب أن تعرف أنها لا تستطيع الاستمرار فى نهجها وإلا فإن العواقب ستكون وخيمة. هذا هو ما تريده واشنطن وأوروبا.. وتسعى إليه، أو هكذا تقول.