هل حدث تحول فى موقف جوهانسبرج تجاه القاهرة؟ هل تسعى إفريقيا لمصالحة مصر عبر واحدة من دولها المؤثرة؟ سؤالان يطرحان نفسهما بقوة بالتزامن مع وصول وفد رفيع المستوى من جنوب إفريقيا إلى مصر أمس، ضم المبعوث الشخصى للرئيس جاكوب زوما ومسؤولين بارزين، وذلك لمقابلة رموز الدولة المصرية، وعلى رأسه الرئيس عدلى منصور. المثير أن الزيارة تأتى بعد أسابيع من تبنى جوهانسبرج موقفًا متشددًا ضد إعادة تفعيل عضوية مصر فى الاتحاد الإفريقى خلال القمة الأخيرة التى عقدها الاتحاد فى أديس أبابا نهاية الشهر الماضى، بل والأكثر إثارة أن وفد جنوب إفريقيا أعلن دعمه للخطوات التى تتخذها القاهرة فى المرحلة الانتقالية. الوفد الذى وصل القاهرة دون سابق إعلان عن زيارته، وفى زيارة هى الأولة من نوعها منذ 30 يونيو، ترأسه سيابونجا كويلى، وزير أمن الدولة بجنوب إفريقيا، وهو مبعوث شخصى للرئيس جاكوب زوما، بينما حملت رسالة للمستشار عدلى منصور من نظيره الجنوب إفريقى، كما ضم الوفد فى عضويته كلًّا من مايكل هالى، المستشار القانونى لرئيس جمهورية جنوب إفريقيا، وسونتو كودجو، مدير المخابرات العامة، إلى جانب نولوتاندو مايندى - سيبيا، سفيرة جنوب إفريقيا بالقاهرة، بينما حضر اللقاء السفير حمدى لوزا، نائب وزير الخارجية للشؤون الإفريقية. التصريحات الرسمية من الجانب المصرى تحدثت عن نقل وزير جنوب إفريقيا رسالة موجهة إلى الرئيس منصور من الرئيس «زوما»، تضمنت مساندة جنوب إفريقيا لمصر فى المرحلة الانتقالية، وفى حربها ضد الإرهاب، فضلًا عن تطلع بلاده لاستعادة مصر لوضعيتها المستحقة على الصعيدين الإقليمى والدولى، ولا سيما فى القارة الإفريقية، مؤكدًا حرص جنوب إفريقيا على تقديم الدعم والمساندة لمصر لإنجاز المرحلة الانتقالية. بينما أوضح المسؤول الجنوب إفريقى أن بلاده تقدر أهمية مصر بوصفها دولة استراتيجية، وذلك ليس فقط بالنظر إلى حجم اقتصادها وثقلها الديموجرافى، وإنما أيضا لدورها المحورى لحسم قضايا القارة الإفريقية، فضلا عن كونها دولة محورية على مستوى الشرق الأوسط وقضاياه، وذلك إلى جانب كونها مسهِمًا فاعلًا فى مهام حفظ السِّلم والأمن على الصعيدين الإقليمى والدولى. النقاط التى أشار إليها الرئيس الإفريقى فى رسالته تعاملت مباشرة مع أبرز محطات الخلاف بين القاهره وجوهانسبرج عقب ثورة 30 يونيو، إذ رفضت الأخيرة الاعتراف بالثورة المصرية واعتبرتها انقلابا، وعمدت لعزل مصر إفريقيًّا وإقليميا وقادت جهود تعليق عضوية مصر فى الاتحاد الإفريقى، رغم أن مصر دوله مؤسِّسة. ووصلت ذروة التعنت الجنوب إفريقى تجاه مصر، فى جنازة الزعيم الراحل نيلسون مانديلا عندما لم توجّه الدعوة إليها للمشاركة فى وداع الزعيم الذى ساندت «مصر عبد الناصر والسادات» كفاحه مع شعبه، وبدلًا من ذلك ظهرت إشارة أردوغان ذات الأصابع الأربعة فى خلفية منصة التأبين، لتؤكد تباعد العلاقات واتساع الهوة بين البلدين. لذا فقد طلب الرئيس منصور من كويلى نقل شكره وتقديره لنظيره الجنوب إفريقى على هذه المبادرة الطيبة التى اعتبرها «تستهدف رأب الصدع» فى العلاقات بين البلدين، ثم زاد وأعرب عن توقعه، لأن تُترجم هذه الخطوة الإيجابية إلى أفعال ملموسة بما يخدم الأهداف والمصالح المشتركة للدول الإفريقية بوجه عام، وللبلدين بوجه خاص. الرئيس منصور، وكما يفعل دائما مع الوفود الدولية التى تزور مصر قام باستعراض التقدم المحرز على صعيد تنفيذ خارطة المستقبل، ولا سيما عقب إقرار الدستور، فأشار إلى أن نتائج الاستفتاء أظهرت للعالم حجم الدعم الشعبى الكبير الذى يحظى به الدستور الجديد وخارطة المستقبل، وأعرب عن تطلع مصر، دولةً وشعبًا، إلى تنفيذ استحقاقات خارطة المستقبل وفقًا للجدول الزمنى المعلن، موضحًا أن مجلس الدولة يعكف حاليا على مراجعة قانون الانتخابات الرئاسية الذى سبق طرحه للحوار المجتمعى، تمهيدًا لعقد الانتخابات الرئاسية، التى سيتم الشروع فى أعقابها فى الإعداد للانتخابات البرلمانية، والتى بانعقادها تكون مصر قد أنجزت كل استحقاقات خارطة المستقبل، واختتمت المرحلة الانتقالية. وبذكاء شديد تعمد منصور الإشارة إلى دعم مصر لكفاح شعب جنوب إفريقيا كأساس للعلاقات الثنائية بين البلدين، حيث ألقى الرئيس الضوء على العلاقات التاريخية بين البلدين منوها بالدور المصرى فى دعم نضال حزب المؤتمر الوطنى الجنوب إفريقى ضد نظام الفصل العنصرى، ودعم مصر لحركات التحرر فى كل ربوع إفريقيا ووقوفها دومًا إلى جانب الشعوب الإفريقية الشقيقة، ومن ثم فإن الشعب المصرى يتطلع إلى مساندة الدول الإفريقية لإرادته وثورته. وفى ربط بين ما تواجهه مصر من تحديات مواجهة الإرهاب وما تواجهه جنوب إفريقيا من تظاهرات عنيفة، أشار الرئيس إلى أن خطر الإرهاب لا يطال فقط الدول التى تتعرض للأعمال الإرهابية، وإنما أيضا الدول التى ترعى الإرهاب أو تسمح باستغلال أراضيها لنشر أفكار متطرفة أو هدامة، وأشار إلى اتساق موقف مصر مع تنديد رئيس جنوب إفريقيا بالطابع العنيف للتظاهرات التى شهدتها بلاده مؤخرًا واضطرار الشرطة لمواجهة هذا العنف. الرئاسه على لسان متحدثها السفير إيهاب بدوى، أضافت توضيحات، بأن زيارة وفد جنوب إفريقيا استهدفت نقل رسالة دعم ومساندة من جمهورية جنوب إفريقيا لمصر وخارطة مستقبلها، والتعرف عن قرب على تطورات الأوضاع فى مصر، ونقل صورة صحيحة وأمينة عن هذه التطورات إلى رئيس جمهورية جنوب إفريقيا «جاكوب زوما» بما يسهم فى تصحيح الرؤى وتحسين العلاقات الثنائية. بدوى أضاف أن الرئيس قد أكد خلال اللقاء حرص مصر على أن تظل علاقاتها متميزة مع كل دول القارة، وأن الظروف الراهنة لم تؤثر على الإطلاق على الأهمية التى توليها مصر لعلاقاتها مع الدول الإفريقية، وهو ما تمثل فى مشاركة الرئيس فى أعمال القمة الثالثة العربية - الإفريقية (الكويت، نوفمبر الماضى)، فضلًا عن حرص السياسة الخارجية المصرية على التواصل مع الدول الإفريقية عبر الزيارات الوزارية، ومنها الجولة الإفريقية الحالية لوزير الخارجية، والتى تتضمن تنزانيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، واستمرار التعاون المصرى مع الدول الإفريقية فى كل المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية.