ماذا يحدث؟ لماذا لم يعلن المشير ترشحه لليوم؟ وهل ينوى الترشح؟ هذه الدورة أم دورة تالية؟ ما موقف الأطراف المختلفة بالداخل والخارج؟ أعتقد فى سيناريوهات ثلاثة تنتظر مصر، وراء كل منها مصالح وأهداف أحد الأطراف الفاعلة. الأول، سيناريو «تحقيق الديمقراطية والعدالة»، وتحقيق أهداف الثورة وطموح الشعب. ينجح بنجاح خريطة الطريق، واختيار رئيس وبرلمان بمشاركة واعية من الشعب. لكن تحقيق ذلك مرتبط بوجود حياة سياسية حقيقية، ملء الفراغ السياسى والاجتماعى والثقافى، بحركات ومؤسسات شعبية، تتحالف مع الجماهير وتحركها، لا بمؤسسات نخبوية! وهو السبيل الديمقراطى الأوحد لمواجهة جماعات الإرهاب والتكفير. لكن حال غياب ذلك، لا يوجد إلا بديلان، إما تطوير الصراع إلى صراع أهلى، وإسقاط البلد فى براثن حرب أهلية (السيناريو الثانى). وإما اللجوء إلى الحل الأمنى، وتصدى الشرطة والجيش مباشرة وبمفردهم، ويرتبط بذلك بالضرورة باتخاذ عدد من الإجراءات القمعية (السيناريو الثالث). الأول يتمناه الناس، ولا يعرفون كيف يبلغُونَه، ينادى به النشطاء والأحزاب ولا يبذلون فى سبيله جهدًا يُذكر! والثانى تسعى له التيارات التكفيرية وحلفاؤهم (نجح فى سوريا). أما السيناريو الثالث فهو هدف الغرب، ويسعون لتحقيقه من خلال توظيف تطلعات النشطاء وأطماع الإخوان؟! كيف ذلك؟ بعد فشل أولى محاولاتهم تمرير مشروع الشرق الأوسط الجديد، وتسليم المنطقة للإخوان، كان عليهم مراجعة الوضع بكامله، واتضح صعوبة الاستمرار فى ظل نتائج ثورة يونيو، التى خلقت تحالفًا قويًّا بين الشعب والجيش وعديد من الأحزاب، فى حالة لم تتحقق منذ عقود، مما يشكل خطرًا حقيقيًّا على مصالحهم! الحل الأمثل لديهم هو العودة للوراء؟ إعادة الوضع لما قبل يناير (بدون مبارك)، ومحاولة تصحيح أخطائهم! سيناريو القوى الدولية لشرق أوسط جديد، يعزز مصالحها، ويبلغها موارد المنطقة وخدماتها، ويجعل إسرائيل، الأقوى والأكثر تماسكًا واستقرارًا فى المنطقة. وضع ما قبل يناير، يمكن وصفه بكلمات بسيطة: نظام سياسى مُشكَك فى شرعيته وديمقراطيته (وإن جاء بالصندوق)، سيادة الحل الأمنى لحسم الأمور فى مواجهة أطماع تيار الإخوان وحلفائهم، غياب أحزاب قوية يمكن أن تنافس حقيقة وتحشد الجماهير لمؤازرتها، ومجتمع مدنى نخبوى يركز حواره وتنسيقاته مع الخارج ويهمل الداخل بصورة مفجعة. وضع يسمح بالنقد والإدانة الخارجية، بل الضغط والمساومة. نجح هذا السيناريو كثيرًا مع مبارك، فهل ينجح اليوم؟ ونعود للوراء؟ يتراجع الغرب عن اتهاماته الآن، ويحتفظ لنفسه بحق التلويح والضغط بها فى المستقبل؟ هل 30 يونيو انقلاب أم ثورة؟ وهل نتائجه ديمقراطية أم لا؟ فض رابعة لحماية البلد أم ممارسات ضد الإنسانية؟ هل ممارسات الإخوان والميليشيات التابعة لها فى سيناء وغيرها، تمثل إرهابًا أم مقاومة شعبية للانقلاب؟ هل يجب أن يُقَدم قادة مصريون لمحاكمات دولية أم تقدير احترامهم للإرادة الشعبية؟ هذا هو الجدل فى الغرب، وغالبًا ما يصرح الإعلام الغربى والمسؤولون الأوروبيون، بما يكمن لدى أمريكا الرسمية وتصرح بنقيضه! إذا ما حللنا التصريحات الأوروبية، سنجدها تدور حول البكاء على الديمقراطية المصرية التى ضُرِبت بعد عامها الأول، فى حين تحدثنا أمريكا تدريجيًّا عن احترام إرادة الشعب المصرى؟! حديث الإعلام الغربى اليوم، هو مضمون الضغط الأمريكى وكارت مساومتها خلف الستار. مساومات بدأت مع يونيو، وتنشط اليوم، وتظل إلى حين تحسم مصر أمرها. ببساطة شديدة يريد الشعب السيسى، وترى أمريكا أنه لا بأس من وجوده على رأس السلطة، بل ربما ذلك هو سبيل إنجاح سيناريو العودة إلى الوراء؟ نظام تستطيع فى أى لحظة التشكيك فيه وتجديد الجدل حوله، نظام يتصدى للإخوان بمفرده، فى ظل فشل الأحزاب فى لعب دور جماهيرى، نظام منتقد دائمًا من مجتمع مدنى يستمد دعمه من الخارج. لكن لن يكتمل السيناريو إلا بإعادة الإخوان إلى الصورة مع بعض الرتوش؟ دمج الشباب وعناصر الصف الثالث والرابع، ونساء الإخوان. افسحوا لهم مجال المشاركة السياسية، لكى لا تتهموا فى ديمقراطيتكم، ولا نشكك فى ترشح السيسى، ونتائج خريطة الطريق، بل نعتبر ذلك هو تعبير عن الإرادة الشعبية. إذن إعادة الإخوان بصورة جديدة للحياة السياسية، هو ما يُتم السيناريو. فهل تنجح الضغوط؟ وكيف يمكن التصدى لها؟ اليوم نحنُ فى حاجة ملحة إلى رجل دولة القانون؟ يُفعل الدستور بنظم ومؤسسات حقيقية، يتحالف مع الحركات الشعبية المختلفة للتصدى للإرهاب، ويقطع سُبل الضغوط الدولية. نؤسس دولة ديمقراطية، بجيش قوى متماسك، على رأسه رجل يثق بالجماهير فى دعمه المخلص لإرادتهم. حقيقةً ترجع مصر إلى الوراء أو تبرح مكانها، فى ظل الفشل المتجدد للقوى السياسية المختلفة، العاجزة عن التحالف مع الشعب، أو حتى مخاطبته بعقلانية، ولن نخرج من ذلك المأزق إلا بمراجعتها، وتصحيحها لمسارها. لا ضير اليوم عندما يلجأ الشعب إلى الجيش لحمايته، لكن يتحول الوضع لأزمة عندما يضطر الجيش للعب دور سياسى مباشر أكبر!