سألت السؤال فى افتتاحيتى الأسبوعية لصحيفة «السفير».. مجرد سؤال أو فتح كلام حول «حكم مصر»... بعيدا عن هستيريا تغطى اللحظة/ هستيريا جماعية لا فرق فيها بين خائف من وحوش الإخوان الخرافية/ وبين حكيم يتصور أنها إحياء الناصرية أو «نيو ناصرية»، أو عودة لزمان ركوب العصابة المالية «نيو ليبرالية».. وهذا ما بدأت به: 1 لا أحد لديه إجابة. ربما قطاعات شعبية أعلنت تأييدها لترشيح المشير السيسى. لكنه حتى الآن لم يعلن قرار الترشح «حتى تصريحات الصحيفة الكويتية قال المتحدث العسكرى إنها اجتهادات صحفية..». وبدا بيان المجلس العسكرى الأسبوع الماضى أقرب إلى إعلان «وحدة الجيش...» أكثر منه بيانا لترشيح القائد، الذى يبدو الآن أيقونة الخائفين من الإرهاب أكثر منه «مشروع رئيس جمهورية»، أى شخص سيتصدى للحكم فى بلد لم يعد أحد قادر على حكمه وحده. والنقطة هنا فى مصر تخص «ضعف السياسة»، ذلك المرض المزمن الذى تفاقم بانهيار الطبقة السياسية بعد 25 يناير/ ثم فشل الإخوان فى التحول إلى طبقة سياسية بديلة/ ولم يبق من تراث الحكم فى الستين سنة التالية ليوليو 1952 إلا الثقة فى الضباط/ لأن الحاكم القادم من أصل عسكرى لم يكن يثق بالطبقة السياسية/ وكان يضربها أو يراقبها أو يحاصرها بمن يثق بهم من ضباط/ وبمعنى ما يصنع طبقة سياسية-عسكرية/ تضمن له ولاء الجيش وعدم الانقلاب عليه/ كما تضبط إيقاع الحكم لرئيس لم يكن يعتمد على شرعية الصندوق إلا كعنصر ديكور. 2 هل إذا أكمل المشير السيسى مشوار الانتخابات ستصبح جمهورية عسكرية؟ جمهورية موز كما ينتظرها المتشائم ولاطم الخد والباكى على هزيمة لم تقع بعد للثورة؟ بنية الدولة القديمة/ لا طبقتها السياسية أو ما يعرف بالفلول الحاكمة/ هى التى تبتلع الثورة/ بمعنى أن الدولة تعود إلى قدرها القديم/ وبشرعية الغالب «فالسيسى منقذ وبطل تتعلق به الجماهير الخائفة»/ ولكن دون طبقة سياسية/ وفى مواجهة آمال من أجيال شابة بتغيير بنية الدولة. أى أن الدولة القديمة ليس لديها طبقة سياسية/ والأجيال الجديدة ليس لديها بديل سياسى/ والفلول ليس لديهم سوى إقامة الموالد للمستبد/ أما الإخوان فيحجزون بمظلوميتهم موقع الجناح المنهك لكل احتمال بعبور هذه الأزمة. 3 هنا ليس هناك طرف قادر على الحسم. وهذه الأزمة مستمرة تاركة الفراغ الكبير دون بديل جديد/ يناسب لحظة التغيير التى بدأت حراكها يوم 25 يناير ولم/ وربما لن يتوقف فى لحظة منظورة. أما البدائل القديمة/ ومن بينها أن يظل الجيش فى موقع التصدر للحكم المباشر/ فمشكوك فيها/ ويكفيهم استعادة المكان الأسطورى/ وضمان عدم الاقتراب من مصالح المؤسسة العسكرية. ومن هنا فالقلق أو الشعور المتفاقم بالأزمة يأتى من سؤال يتكرر: من سيحكم؟ من لديه استعداد للتصدى للحكم؟ فلا أحلام العودة إلى «نيو ناصرية» دون ناصر إلا تمنيات تحذف التغييرات فى المجتمع المصرى وفى العالم/ وربما هى نقوش أو وشم على صدر احتضان الخائفين للمنقذ. كما أن لا قدرة لدى الضجيج المدعوم من طبقة مالية متحالفة بعلاقات معقدة مع مراكز خليجية إلا على التعطيل أو الظهور ككتلة لا يمكن تجاوزها.. لكنها ليست كتلة حكم وإن رغبت وخططت. وهنا الأزمة فالمجتمع الذى أضيفت إليه قوة بعد الثورة لم يعبر عنها بعد/ أو ابتلعت جزءا منها مراهقة كانت تنتظر الفشل من كل المتصدين للحكم ولم تقفز منها إلى مبادرة التصدى.. الوضع معقد/ لا يمكن سحبه على ميلودراما/ أو تراجيديا/ أو احتفال... ولا يمكن لطرف وحده إعلان الانتصار أو الحسم، لأنه بعد أسابيع قليلة سيدفع ثمن إعلانه... فشلا فى التصدى للمشكلات المتراكمة. هل يمكن إنهاء الوضع دون تسوية بين القوى السياسية المتصدية للحكم مع المؤسسة العسكرية.. والاتفاق معها؟ هل يمكن استكمال المسارات الديمقراطية دون الإخوان والتيار الإسلامى؟ كيف يمكن التعبير عن قوة المجتمع فى سبيكة السلطة؟ ومن سيتصدى للحكم وتقديم بديل؟