سأتفق مع القائلين إن الاستفتاء على الدستور كان تصويتا مبكرا على اختيار الفريق السيسى رئيسا. 20 مليونا من المصريين قالوا نعم للسيسى تحت مشاعر الخوف واليأس بعد سنة الإخوان السوداء/ التعسة.
وهذا يعنى أن الجنرال اختيار اليأس من عبور محنة مبارك أو الحالة التى كانت سببا فى الخروج الكبير يوم 25 يناير، للمطالبة بإسقاط النظام، ثم كانت سببا فى خروج كبير آخر يوم 30 يونيو/ طبيعته وتحالفاته مختلفة/ لإسقاط نظام أراد وراثة مبارك وإعادة بناء نظام سلطوى بنكهة إسلامية.
الثورة قامت ضد السلطوية التى جعلت المصريين شعبا من الخائفين والمرعوبين واليائسين من حياة كريمة، كالحياة التى نراها ونشعر أنها بعيدة أو لا نستحقها.
استحق المصريون بخروجهم فى يناير 2011.. وجسارتهم فى مواجهة آلة أمن شرسة/ حياة أفضل.
لكن كيانات السلطوية خططت ودبرت وقاومت من أجل إعادتهم إلى مربع الإذعان والخوف واليأس.
وهذا درس سقوط الإخوان... وسر الثورة على المرسى وجماعته بعد قطع الطريق على محاولة بناء مجتمع.. أى فضاء يشعر الفرد فيه بحريته/ وكرامته.
السلطوية الإخوانية تخيلت أنها بديل لسلطوية الجنرالات القدامى التى عشنا معها أياما سوداء ورمادية، وأشعرتنا أننا بشر درجة رابعة/ ولا نستحق إلا حياة مثل الفئران نختبئ فى جحورنا خوفا من الضباع الجائعة التى احتكرت السلطة والثروة والحياة الحلوة.
لماذا يستمر الخوف وقد خرج 20 مليونا ليواجهوه فى الصناديق؟
ألم يحن الوقت كى نعبر الخوف ونشعر ببعض البهجة؟
لماذا تصورون مستقبلنا رهن اختيارات اليأس؟
لماذا تستمر الهستيريا لو كانت «نعم» العشرين مليونا نصرا كبيرا؟
لماذا تتكلمون عن المؤامرات و«الشعب» أعلن فى الصناديق عن رغبته فى الإجماع؟
لماذا تريدون بعد كل هذه الرحلة من أجل كسر السلطوية والانفتاح على حياة سياسية جديدة... أن يكون السيسى هو الخيار الوحيد؟
أسئلة أحاول بها التفكير بمنطق أصحاب الأصوات العالية/ المستمرين فى تسميم المناخ السياسى بل والحياة كلها، رغم أن المرحلة الأولى من خارطة الطريق انتهت بهزيمة الإخوان.. كما تقول نتائج حرب الصناديق؟
كيف نكون قادرين على إسقاط كل من يحاول بناء السلطوية اللعينة.. ويستمر شعورنا بالخوف والذعر إلى درجة التعلق بقرار من الفريق السيسى/ باعتباره سيعيد مجد الأبوة المفقودة من أيام عبد الناصر أو السادات حتى؟
تعلمنا من تاريخنا الحديث أنه لا خروج من النفق إلا بتغيير ثقافة «انتظار المنقذ»، لأن فى دولة مثل مصر المنقذ قصير النفس/ يسير بعكازات/ وهذه حقيقة يكشفها تأمل بسيط لفشل 60 سنة تراجعت مصر على كل المستويات من التعليم إلى الصحة إلى الثقافة والفنون وحتى الاقتصاد، ووصولا إلى قدرة الفرد العادى على الحلم بتوسيع أفق حياته.
كما تعلمنا من الخروج المدهش للجميع فى 25 يناير 2011 أن المنقذ ليس أبا أو سوبرمانا، ولكنها تلك القوة الحية من المجتمع التى شعرت بالغضب لأننا نستحق دولة أفضل/ وحياة أجمل/ لم يكن هدف الخروج فى يناير مجرد إسقاط رئيس من فرط استهتاره خطط لتوريث السلطة لابنه حفاظا على مصالح العصابة التى نسمع أصواتها القبيحة الآن عاليا.. بمصاحبة أزيز فرق المرتزقة وهى تنشر سمومها دفاعا عن استمرار اليأس والخوف. لا نحتاج إلى بطل ولكننا نحتاج إلى نظام ديمقراطى/ لا يحكم بالسلطوية التى تختصر البلد كلها فى السلطة/ وتمارس وصايتها العرجاء على المجتمع كله. مصر ليست مزرعة أو معسكرا.. نساق كل صباح كالقطيع لنخدم مصالح «الحبايب والمحاسيب» الذين ينتقيهم الجالس على الكرسى بعد أن منحناه تفويضا/ مبايعة بالحكم لأنه بطل... أو أب أو منقذ.
وفى الدول المحترمة الرئيس ليس منقذا/ ولا مخلصا/ ولا ساحرا/ إنه مدير للسلطات/ لديه مهمة/ وظيفة يؤديها بعد اقتناع جمهور الصناديق برؤيته/ وإذا نجح فسيمنح فرصة أخرى.. أما إذا فشل فسيغادر إلى حيث يكمل حياته بعيدا عن السلطة. لكن أن يكون الحاكم قدرا/ أو قادما من عالم الاستثناء/ فهذه دول تقاد إلى كوارث مثل ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية/ أو إلى الفشل/ مثل ليبيا والصومال.
لماذا تبدو البغبغاوات نشيطة فى نشر الهستيريا... التى تصيبنا بالعمى والخرس والشلل؟
لماذا تريدون الصناديق صك إذعان للسلطوية كما فعل الإخوان/ عندما عطلوا بالصناديق بناء نظام ديمقراطى؟
إسقاط الإخوان لم تكن عملية استبدال «سلطوية» ب«سلطوية» أو «صناديق» ب«صناديق».. ولكن من أجل استكمال البنية التحتية للديمقراطية... أو إزالة طبقات العفن الممتد فى الدولة وتكاد أن تلتهم أحلامنا فى حياة.. ليست كالفئران فى مصيدة الضباع اليائسة.
أيتها الضباع المتجولة فى الشاشات والشوارع... أنتم عابرون... فى لحظة لا يمكن أن تستمر بكل ما تبثونه من سموم قاتلة.