يصدُر قريبا قانون الانتخابات الرئاسية بعد أن طُرح للحوار المجتمعى، ونتمنى أن يأخذ المشرع بالملاحظات التى أبداها عدد من الخبراء والمحللين والسياسيين أيضا، وهى ملاحظات نابعة من خبرة الانتخابات الرئاسية السابقة. وبصدور القانون وفتح باب الترشح للانتخابات سوف تدخل مصر فى الاستحقاق قبل الأخير من خارطة الطريق بحيث تتبقى فقط الانتخابات البرلمانية. ويبدو واضحا أن الانتخابات الرئاسية القادمة فى مصر ستكون محط أنظار عواصم إقليمية ودولية على نحو غير مسبوق، ولا مبالغة فى القول بأن الانتخابات الرئاسية المصرية ستكون للمرة الأولى حدثا إقليميا ودوليا، فعواصم إقليمية دولية عديدة سوف تتابع هذه الانتخابات وتعتبر نفسها معنية بها بل وطرفا فيها، فهناك عواصم إقليمية لا تتمنى نجاح المشير عبد الفتاح السيسى، وعواصم أخرى تتطلع إلى إعلان فوزه بالمنصب وترى فى ذلك مصلحة لمصر ولبلدانها، نفس الأمر ينطبق على عواصم دولية منها ما يأمل فى فوز السيسى بالمنصب ومنها من لا تريد ذلك لاعتبارات عديدة. فى نفس الوقت بات الحديث عن مرشحى الانتخابات الرئاسية فى مصر حديثا متكررا ومجالا للتكهنات ومدخلا لعودة عدد من الوجوه القديمة إلى الحياة السياسية مجددا، فجبهة الإنقاذ أعلنت من جانبها عدم وجود مرشح رئاسى لها فى الانتخابات القادمة، ومعظم أحزاب الجبهة أعلنت بشكل أو بآخر أنها تدعم ترشح وزير الدفاع لرئاسة الجمهورية، وإذا كان هناك من داخل الجبهة مَن يرغب فى الترشح للانتخابات فهو قرار ذاتى لكنه لن يحصل على تأييد الجبهة، وفى كل الأحوال فإن غالبية مؤيدى هذه الأحزاب سوف يوجّهون أصواتهم لصالح وزير الدفاع فى الانتخابات القادمة. يترافق مع ما يحدث فى جبهة الإنقاذ استغلال عدد من الوجوه القديمة -سواء التى عملت فى نظام مبارك أو التى تعاونت مع حكم المرشد والجماعة- للانتخابات الرئاسية من أجل العودة إلى المشهد السياسى من جديد، فعدد من رموز نظام مبارك رتَّبوا أنفسهم للعودة إلى مشهد السياسى عبر بوابة الانتخابات الرئاسية ومن خلال حملات دعم وتأييد وزير الدفاع، وشكّلوا جبهات وحركات ولجانا لدعم وزير الدفاع وعلّقوا لافتات تأييد للرجل. نفس الأمر أقدم عليه عدد من رجال الأعمال الذين تعاونوا مع مرسى والجماعة، وعملوا مع قطر واستفادوا من حكم المرشد، فبعد سقوط مرسى سارعوا بالتنصل من كل ما قاموا به وما نسجوا من علاقات، منهم من بادر بإعلان دعمه لوزير الدفاع وتأييده له، بل منهم من قرر إعداد فيلم وثائقى حول الرجل وإنجازاته، وهناك من بادر بإعداد أغانٍ للرجل فى مشاهد أثارت استياء بل واشمئزاز قطاع واسع من المصريين، فالغالبية الساحقة من الشعب المصرى ترى فى وزير الدفاع المرشح المفضل، وتراه الأمثل لشغل هذا المنصب لما قام به من أعمال بطولية دفاعا عن مصر وشعبها، ومن ثم فالرجل لا يحتاج إلى حملات الدعم والتأييد، كما أن عودة رجال مبارك إلى صدارة المشهد عبر بوابة دعم وتأييد وزير الدفاع باتت تمثل قلقا شديدا للرأى العام المصرى الذى بات يخشى على وزير الدفاع من شلة المنتفعين والمنافقين الذين يسعون لاختراق دائرة الرئيس القادم تمهيدا لإعادة إنتاج النظام القديم. نفس الأمر ينطبق أيضا على شخصيات مراوغة ومناورة عملت مع الحزب الوطنى واستفادت منه كثيرا، ثم انقلبت عليه وحوّلت الولاء إلى الجماعة واليوم تريد أن تكون جزءا من النظام الجديد، وهو ما أصاب الرأى العام المصرى بقدر كبير من الإحباط. كل المؤشرات تقول لنا بأن لوزير الدفاع شعبية جارفة، وإذا ما ترشح فسوف يفوز بالمنصب من الجولة الأولى، يتبقى أن يدرك مبكرا أن الشعب يريده أن يبدأ عهده بالعمل مع فريق جديد لا يضم أيا من الوجوه القديمة التى عملت مع مبارك ولا التى حوَّلت ولاءها للمرشد والجماعة، ومن المهم أن يبعد وزير الدفاع نفسه عن هذه العناصر ويبدأ عهدا جديدا من العمل الوطنى.