في الوقت الذى قررت فيه المحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار أحمد الشاذلى تأجيل الفصل في الطعن المقام من رجل الأعمال السعودى ومؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولى ضد حكم القضاء الإدارى الصادرببطلان بيع عمر أفندى ل«القنبيط» وعودتها للدولة مطهرة من أى ديون أو رهون إلى جلسة 19 أكتوبر المقبل، أودعت محكمة القضاء الإدارى برئاسة المستشار حمدى ياسين أمس السبت حيثيات حكمها الصادر ببطلان خصخصة شركات المراجل البخارية وطنطا للكتان وغزل شبين وعودتها للدولة مطهرة من أى ديون أو رهون أيضا. المحكمة ذكرت في حيثياتها على أن الخصخصة في ذاتها ليست شرا يجب مقاومته وإنما الشر كله في الفساد الذى شاب عملية الخصخصة سواء من القائمين عليها أو من بعض المستثمرين المتلاعبين، مشددة على أن الخصخصة التى طبقتها الحكومة المصرية قامت على الإذعان لبيع القطاع العام بشروط المؤسسات الدولية لإعطاء القروض والتسهيلات الجديدة والسماح لإعادة الجدولة لبعض الديون الخارجية، سعيا نحو تصفية القطاع العام لتدمير إقتصاد الوطن وهي ما طبقته الحكومة ببرنامجها عام 1991 بإعلان جمهوري في خطاب رئيس الجمهورية السابق بمناسبة الاحتفال بعيد العمال في الأول من مايو 1991بأن «الحكومة سوف تتبني الخصخصة كسياسة رسمية بهدف خلق اقتصاد أكثر حرية ».
وبناءا علي ذلك تم إنشاء مكتب قطاع الأعمال العام في 1992 بموجب إتفاقية بين برنامج التنمية للأمم المتحدة والحكومة المصرية للإشراف على برنامج الخصخصة ومتابعة تنفيذه ، المحكمة شددت على أن الإرادة الأجنبية في إخضاع السيادة المصرية لسياسات الخصخصة إتضحت في تقرير أصدرته السفارة الأمريكية بالقاهرة في 1991 دعت فيه مباشرة إلى التخلي عن الملكية العامة.
ورصدت حيثيات المحكمة مظاهر التفريط في المال العام، فقد سمحت قواعد التقييم للمستثمر المشتري بتصفية جانب من العمالة بناءا على رغبته المطلقة وتحديده لما أسمته القواعد بالعمالة الزائدة وتحمل الشركة القابضة لتكلفة المعاش المبكر لتلك العمالة الزائدة عن الاتفاق مع المشتري على الاحتفاظ بالعمالة الموظفة عند الشراء، وخصم تلك التكلفة من ثمن الشراء المتفق عليه، وهو ما أدى إلى تصفية عدد كبير من العاملين وزيادة معدلات البطالة، وتحمل الدولة تكلفة المعاش المبكر خصما من ثمن الشراء، إضافة الى أن تلك القواعد سمحت للمستثمر بأمرين مخالفين للقانون، أولهما تغيير الغرض من استخدام الأرض من الأغراض الصناعية إلى غيرها من الأغراض بمحض إرادته والتسليم له بفعل ذلك صراحة وضمنا ، وثانيهما تعديل أسلوب التقييم المعتمد من مجلس الوزراء إلى أسلوب التقييم وفقا للقيمة السوقية متى أراد المستثمر ذلك ووقتما شاء، فإذا قام بتغيير الغرض يسدد للدولة ممثلة فى وزارة المالية الفرق بين القيمة السوقية للأراضى المشتراة وبين القيمة السعرية للأراضي الصناعية في أقرب مدينة عمرانية جديدة.
ولفتت المحكمة الى أن قواعد تقييم الشركات المعتمدة من مجلس الوزراء تعاملت مع كل من الشركات الخاسرة والشركات الرابحة والشركات قليلة الربحية معاملة واحدة فلم تفرق بينهم على أساس القيمة الدفترية وهو ما جعل الحكومة تقدر قيمة الآلات بشركة المراجل البخارية بلا شئ ، إضافة الى أن قواعد التقييم خولت الجمعيات العامة لشركات قطاع الأعمال العام برئاسة وزير الاستثمار حق الموافقة على ثمن لبيع الشركات «يقل عن القيمة الدفترية» بداعي المصلحة التي تقدرها تلك الجمعيات العامة، وهو ما أطلق العنان للشركات القابضة بجمعياتها العامة لبيع الشركات التابعة وهي من الأموال المملوكة للدولة بسعر غير مقيد بحد أدنى.
وأكدت المحكمة على أن برنامج الخصخصة كان أقرب ما يكون إلى إستهلاك رصيد الأصول الذى بنته الأجيال والحكومات السابقة لصالح تمويل الإنفاق الجارى للحكومة لتغطية عجزها عن توفير التمويل الضرورى لهذا الإنفاق وخاصة بسبب التهرب الضريبى لرجال الأعمال.