أودعت محكمة القضاء الإداري برئاسة المستشار حمدي ياسين أمس السبت حيثيات حكمها الصادر ببطلان خصخصة شركات المراجل البخارية وطنطا للكتان وغزل شبين وعودتها للدولة مطهرة من أي ديون أو رهون أيضا. المحكمة ذكرت في حيثياتها على أن الخصخصة في ذاتها ليست شرا يجب مقاومته وإنما الشر كله في الفساد الذي شاب عملية الخصخصة سواء من القائمين عليها أو من بعض المستثمرين المتلاعبين مشددة على أن الخصخصة التي طبقتها الحكومة المصرية قامت على الإذعان لبيع القطاع العام بشروط المؤسسات الدولية لإعطاء القروض والتسهيلات الجديدة والسماح لإعادة الجدولة لبعض الديون الخارجية سعيا نحو تصفية القطاع العام لتدمير اقتصاد الوطن وهي ما طبقته الحكومة برنامجها عام 1991 بإعلان جمهوري في خطاب رئيس الجمهورية السابق بمناسبة الاحتفال بعيد العمال في الأول من مايو 1991بأن (الحكومة سوف تتبني الخصخصة كسياسة رسمية بهدف خلق اقتصاد أكثر حرية ) ، وعلى إثر ذلك تم إنشاء مكتب قطاع الأعمال العام في 1992 بموجب اتفاقية بين برنامج التنمية للأمم المتحدة UNDP والحكومة المصرية للإشراف على برنامج الخصخصة ومتابعة تنفيذه . المحكمة شددت على أن الإرادة الأجنبية في إخضاع السيادة المصرية لسياسات الخصخصة إتضحت في تقرير أصدرته السفارة الأمريكية بالقاهرة في 1991 دعت فيه مباشرة إلى التخلي عن الملكية العامة، حيثيات المحكمة رصدت مظاهر التفريط في المال العام فقد سمحت حسب المحكمة قواعد التقييم للمستثمر المشتري بتصفية جانب من العمالة بناء على رغبته المطلقة وتحديده لما أسمته القواعد بالعمالة الزائدة وتحمل الشركة القابضة لتكلفة المعاش المبكر لتلك العمالة الزائدة عن الاتفاق مع المشتري على الاحتفاظ بالعمالة الموظفة عند الشراء ، وخصم تلك التكلفة من ثمن الشراء المتفق عليه، وهو ما أدى إلى تصفية لعدد كبير من العاملين وزيادة معدلات البطالة ، وتحمل الدولة بتكلفة المعاش المبكر خصماً من ثمن الشراء إضافة الى أن تلك القواعد سمحت للمستثمر بأمرين مخالفين للقانون، أولهما تغيير الغرض من استخدام الأرض من الأغراض الصناعية إلى غيرها من الأغراض بمحض إرادته والتسليم له بفعل ذلك صراحة وضمناً ، وثانيهما بتعديل أسلوب التقييم المعتمد من مجلس الوزراء إلى أسلوب التقييم وفقاً للقيمة السوقية متى أراد المستثمر ذلك ووقتما شاء ، فإذا قام بتغيير الغرض يسدد للدولة " وزارة المالية " الفرق بين ثمن السوق للأراضي المشتراة وبين ثمن الأراضي الصناعية في أقرب مدينة عمرانية جديدة . المحكمة لفتت إلى أن قواعد تقييم الشركات المعتمدة من مجلس الوزراء تعاملت مع كل من الشركات الخاسرة والشركات الرابحة والشركات قليلة الربحية معاملة واحدة فلم تفرق بينهم على أساسي القيمة الدفترية وهو ما جعل الحكومة تقدر قيمة الآلات بشركة المراجل البخارية بلا شئ. إضافة الى أن قواعد التقييم خولت الجمعيات العامة لشركات قطاع الأعمال العام برئاسة وزير الاستثمار حق الموافقة على ثمن لبيع الشركات (يقل عن القيمة الدفترية) بداعي المصلحة التي تقدرها تلك الجمعيات العامة ، وهو ما أطلق العنان للشركات القابضة بجمعياتها العامة لبيع الشركات التابعة وهي من الأموال المملوكة للدولة بسعر غير مقيد بحد أدنى ،المحكمة أكدت على أن برنامج الخصخصة كان أقرب ما يكون الى إستهلاك رصيد الأصول الذى بنته الأجيال والحكومات السابقة لصالح تمويل الانفاق الجارى للحكومة لتغطية عجزها عن توفير التمويل الضرورى لهذا الإنفاق وخاصة بسبب التهرب الضريبى لرجال الأعمال .