يتأهب الجميع للتصويت على استفتاء مُركَّب فى مصر، استفتاء يحدد مصير المنطقة كلها! قد يطيح بمشاريع وطموحات، ويقيم أخرى. يراه البعض نعى للديمقراطية، ويراه آخرون بداية طريقها.. فكيف يتجاور كل ذلك؟ حتما لن يحسم الاستفتاء أمر الدستور فقط، بل به يحدد الشعب المصرى مصير مصالح سياسية عدة، داخل وخارج مصر. فقد يضع الاستفتاء حدًّا لمراهقة اليسار والليبرالى ممن حصروا دورهم السياسى فى الشعارات والمزايدات، دون عمل حقيقى بين الناس. وحتما يحسم الاستفتاء مصير تنظيم الإخوان وحلفائهم. لكن الأهم من كل ذلك، هو وضع حدٍّ لمشروع المنطقة، الشرق الأوسط الجديد! الذى يسلم قيادة المنطقة لتيارات الإسلام السياسى، شريطة أن يحمى هؤلاء مصالح الغرب فى المنطقة. شرق أوسط يستوعب التيارات الجهادية المؤرِّقة لأهل الشمال واللاجئة له فى نفس الوقت، لتعود لتحصر إرهابها فى بلدانها الأصلية. وبذلك تحسم مصير المنطقة إلى التفجيرات اليومية كما العراق، وحرب الأهلية كما سوريا، انتهاء بحياة الكهوف كما أفغانستان! لن ينهى الاستفتاء مشروعهم، بل سيدفعهم للبحث عن طرق أخرى لتحقيق مصالحهم، وهو ما يجب أن ننتبه له جميعا. الخروج للاستفتاء هو للتأكيد مرة ثانية وثالثة على أن الشعب المصرى وحده المحدد للمصير، وأن خروجه على الإخوان لم يكن إلا صفعة لكل المشروعات والترتيبات التى تهدد مستقبله. قد تحسم مصر مصير الشرق الأوسط كله فى 14 و15 يناير، وتخطوا به صوب مرحلة جديدة، مرحلة تطوى أكثر من ستين عامًا من عمر المنطقة كلها! ويحل الشعب قيودا كبّلته طويلا باسم التحرر الوطنى ومصالح الوطن.. كما يقضى على أطماع البعض المتجددة فى السلطة باسم بالدين! فهل يحسم الاستفتاء الأمر؟ هل بتأييدنا للدستور نبدأ مرحلة الديمقراطية الحقيقية؟ الإجابة لدى الشعب أولا، ثم الأحزاب والتيارات السياسية ثانيا. إننا نتحدث عن مسيرة نضال طويل، بدايته هو عدم العودة للوراء، وتسليم مصيرنا لقلة تحكم فتفسد وتبطش، بل تأسيس حكم يتخذ من الدستور سراجا يسترشد به فى كل خطوة. لن يضع الاستفتاء الحكم فى يد العسكر ولا فلول نظام مبارك، بل يضعه فى يد الشعب والأحزاب والتيارات السياسية المختلفة. الخطر يجىء إذا قامت تياراتنا وأحزابنا تلك، بتسليم السلطة للعسكر أونظام مبارك.. يسلِّمونها بمراهقتهم، وانفصالهم عن الناس. إذا أردتم أن تحسموا الأمر صوب الديمقراطية الحقيقية واحترام الدستور، فاذهبوا للتحالف مع الناس بتوعيتهم والعمل معهم، تضامنوا مع الناس ليتضامنوا معكم. قدموا لهم مشروع يحل قضاياهم ويلبى طموحهم فى عيش كريم، ليتحالفوا ويتآمروا معكم! أما إذا ظل أداؤكم على حاله، ولم يجد الشعب إلا شعاراتكم، فلا تلوموا إلا أنفسكم، وستلقون البلد إلى فصيل آخر أكثر منكم قوة وتنظيم، كما فعلتم بداية مع الإخوان! نحن فى مأزق يتعلق بمصير الوطن وبقائه، ننجو منه أو ننزلق به إلى صراع يهدد مستقبلنا جميعا، مأزق وضعتنا فيه طموحات ومشروعات خارجية، ما كانت لتنجح إلا لضعف أحزابنا ومؤسساتنا المدنية. إن تحالف الشعب اليوم مع مؤسسات الدولة وفى قلبها جيشه (بكل جبروته وعدم ديمقراطيته)، يظل الخيار الأصوب والوطنى مقابل التحالف مع مصالح خارجية، تتشدق دومًا بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وتسحقها عمليًّا فى كل لحظة. لكِنَ سنظل نعمل من أجل وطن حر ديمقراطى، وأن ينال أهلنا حقوقهم فى ظل قواعد العدالة والمساواة. يظل صراعنا ونضالنا مستمرًّا، عهدنا أن لا يكل عملنا من أجل حقوق الإنسان والديمقراطية يوما. لن نتوقف ولن نهادن، لن نرضى بأى شكل من أشكال الديكتاتورية والتعسف تحت أى مسمى. نضالنا يبدأ وينتهى وسط جموع الفقراء والمهمشين، فى الحوارى والقرى والعشوائيات، لتحريرهم من الفقر والجهل والمرض، أحرارًا يشاركون فى حكم بلدهم ويحسمون أمره، وليس قطيعًا يسوقه أى طرف لحساب أطماعه فى السلطة. هذا هو الحائل بين مصر والديمقراطية الحقيقية، هذا هو التحدى الحقيقى. بقدر مجهودنا وعملنا، وتمكيننا للناس، ودعمنا لمطالبهم وحقوقهم، بقدر ما نستطيع التحدث عن إنجاز الديمقراطية، لن نحقق الديمقراطية قبل ذلك، وحتما لن نحققها بالنخبة وأحاديثهم! كلمة أخيرة لكل من يقول إن نظام مبارك أو الجيش هو الحائل دون ديمقراطيتنا.. لا بل نحن الحائل، بشعاراتنا وتجارتنا، بآليات ومناهج عملنا النخبوية وانفصالنا عن الناس، راجعوا العشرين عاما المنقضية حتى 2014، راجعوها بكل ضمير وتجرد علّكم تدركون! فليكن الاستفتاء على الدستور هو البداية للجميع، بداية العمل الحقيقى الدؤوب. لنتّجه إلى الناس تاركين الشعارات خلفنا، لنجعل عملنا هو المتحدث، ونترك للناس أن يصيغوا شعارات جديدة يعبروا بها عن صور عملنا ونضالنا وسطهم.