يوم الثلاثاء الماضى نشرت اصطباحة بعنوان «أخذ الحق صنعة» تلقيت حولها ردود أفعال إيجابية لم أكن أتوقعها، كما أنها أثارت ردود فعل سلبية لا أجد فى تقبلها مشكلة حتى لو استخدمت ألفاظا حادة، فهى تصدر فى نهاية المطاف عن أناس يتفقون معى فى الأهداف، ومن حقهم أن يروا أن اختلافى معهم فى الوسيلة أمر يستحق كل هذه الحدة، وربما كانت حدتهم تعكس محبة من نوع خاص، لرغبتهم فى أن أكون متفقا معهم فى الرأى، هاهاى، الآن سيتبارون فى إطلاق الشتائم لنفى هذا الافتراض تماما. على أى حال أمر يرضى غرور أى كاتب أن ينال كل هذا الاهتمام ممن يكرهونه إلى حد شتيمته بالأم لمجرد أنه قال رأيا يختلف معهم، لست مازوخيا أتلذذ بالإهانة ولا بيوريتانيا أتسامى فوق السخائم، أنا بشر خطاء يمكن أن يكتب كلاما مثل هذا فتظنه مغرورا لكنك ستكتشف مع آخر سطر أننى لست كذلك أبدا، ليست مشكلتى أن البعض يتعامل مع الكاتب على أنه مبشر يحمل رسالة لا بد من أن تصل إلى كل الناس، الرسالات لا ينزل بها إلا أنبياء من السماء، وإذا كان هذا الكلام يبدو مزعجا لبعض من يحلو لهم أن يتخيلوا أن دورهم رسالى أو يحبون أن يقرؤوا لكُتاب ذوى أدوار رسالية، فأعتقد أنهم لو قرؤوا فى التاريخ الشخصى لأعظم وأجمل الكُتاب فى تاريخ الكتابة سيصابون بصدمات إيجابية حادة، ستساعدهم كثيرا على أن يحبوا أكثر الكُتاب الذين يمتلكون تاريخا من الأخطاء بل وربما الكوارث. أجمل إطراء تلقيته فى حياتى كان من شاب متحمس كتب معلقا «منك لله يا شيخ قلبت علينا الرأى العام بمقالتك.. الناس كانوا خلاص هيبقوا معانا»، زمن تأثرى بالإطراء لم يدم أكثر من ثانية لأن عقلى الذى لا يكف عن إزعاجى سألنى «وهو الشاب ده قابل الرأى العام فين عشان يعرف إنه اتقلب»؟ للأسف خطأ هذا الشاب الثورى الجميل يقع فيه مسؤولون كبار فى الدولة عندما يعتقدون أن الرأى العام الثورى على الأقل يمكن أن يتم التأثير فيه من قبل هذا الكاتب أو ذلك الإعلامى، فيسعون لالتقائهم والحديث معهم على أمل أن يوصلوا من خلالهم رسائل إلى الناس، مع أن هناك وسائل أفضل من الإعلاميين لكى توصل رسائل ناجعة إلى الناس، اسمها القرارات التى تستجيب لمطالبهم المشروعة. قرأت فى موقع «الدستور الأصلى» خبرا عن إمساك الثوار المعتصمين فى ميدان سعد زغلول بالإسكندرية قبل أيام بأشخاص يقومون بتوزيع بيان يدعو لفض الاعتصام وضعوا عليه توقيعات عدد من الشخصيات العامة التى شاركت فى الثورة، وقال الخبر إن وراء ذلك التصرف أحد رجال الأعمال قام بطبع مئات الآلاف من النسخ لتوزيعها فى ميادين التحرير، أتمنى أن تتوصل التحقيقات الرسمية إلى اسم الرجل الذى قام بتمويل عمل كهذا، لا لكى أقاضيه لأنه قام باستخدام اسمى زورا وبهتانا فى البيان، بل لأننى أتوق شوقا إلى معرفة اسم الحمار الذى أقنعه أنه لو استخدم أى أسماء فى مصر يمكن أن يقنع أناسا يشعرون بالظلم والفساد بأن ينصرفوا إلى حال سبيلهم ويسيبوا الخلق للخالق ده هو رب كريم. فى أيام النظام المباركى البائد كان ضباط أمن الدولة المختصون بمتابعة شؤون الصحافة والإعلام يبذلون جهدا خرافيا مع الصحف والبرامج، إما بمحاصرتها وإما بتدجينها، ظنا منهم أن مفاتيح الواقع يمتلكها الكتاب والإعلاميون، وعندما وصل هؤلاء الضباط ورؤساؤهم إلى أقصى درجات النجاح فى محاصرة الصحافة والإعلام وفى تدجينها أيضا، قامت الثورة، ليس لأن الثورة كانت تمتلك إعلاما بديلا على شبكة الإنترنت، بل لأن الثورة هى حاجة يفرضها الواقع المعيش، ولو كان أحرار المصريين يشعرون بوجود إصلاح حقيقى فى البلد لما ثاروا حتى لو كانت وسائل الإعلام تقوم بدعوتهم للثورة طوال الوقت. الآن وللأسف الشديد يتعامل الجميع مع الكتاب والإعلاميين بنفس منطق ضباط أمن الدولة، فى ميدان روكسى وميدان مصطفى محمود يرفعون صورا لمجموعة من الإعلاميين والكتاب وينزلون فى أصحابها شتما ولعنا كأنهم لو أخرسوا هذه الأصوات سينالون المراد وتهدأ البلاد وينصرف كل ثائر إلى حال سبيله. أما فى ميادين التحرير فلا يزال العقل الثورى قادرا على إدراك أهمية اللافتات التى يجب أن لا تهدر فى غير موضعها، لكن ثوار الميادين أيضا يمتلكون قوائم سوداء يتم تحديثها طوال الوقت، هناك بين الحين والآخر مراسلون يتم طردهم من الميدان بدعوى أن قنواتهم تشوه الثورة، سريعا نسى الثوار أن الإعلام مهما كان عتيا وجبارا لا يمكن أن يهزم صاحب حق، كانت كل قنوات مصر تتبارى فى تشويه الثورة فى أصعب أيامها، ومع ذلك لم تهزمها، لأن ميادين التحرير كانت موحدة متفقة على أهداف واضحة وترفع مطالب توافقية تجمع شمل الثوار، ومنذ رحيل مبارك والتجارب تثبت أنه كلما نجح الميدان فى أن يكون موحدا وقادرا على رفع مطالب مشروعة يتفق عليها الجميع، كان قادرا على التأثير. الآن ومع أن هناك وسائل إعلام ثورية عديدة تدعم الميادين وتوصل صوتها بشكل لم يكن موجودا أيام الثورة، لا يزال كثيرون من الناس يمرون حول الميدان وهم يلعنون من فيه، وازدادت رغبة الناس فى تصديق الإشاعات والتشنيعات، وأصبح كثيرون ينظرون إلى الميدان وهم يضعون أيديهم على قلوبهم خوفا ووجلا بعد أن كانت قلوبهم ترنو إليه حبا وتأييدا، ولن يستطيع أحد أن يتخلص من ذلك أو حتى يفسره إلا الثوار أنفسهم، شريطة أن لا ينكروه أولا. هل سيغضب مقالى هذا بعض الثوار الذين كانوا سيسعدون أكثر لو قلت لهم قصائد فى مدحهم؟ بالتأكيد، ولهؤلاء أقول: صدقونى ليس رأيى مهما على الإطلاق لكى تغضبوا منه، فى الواقع لو قال كل الكتاب إنكم منزهون عن الخطأ وإن كل ما تفعلونه صواب لا يرقى إليه الباطل، فلن يفيدكم ذلك ببصلة، إذا لم تنجحوا طوال الوقت فى أن ترفعوا مطالب يلتف حولها الناس بأسلوب لا ينفرون منه ولا يشعرهم أن هذه البلاد يمكن أن تدخل نفقا معتما، لا تغضبوا من رأى كاتب أو ضيف فى برنامج، لأن الإعلام يمكن أن يغلوش على الواقع، لكنه لا يخلقه، وإذا كانت الثورة قد علمتنا شيئا فهو أن ما يريده الناس لا بد أن يكون، شرط أن يتفقوا عليه أولا. هل عرفت إلى أى حد أنا لست مغرورا أبدا؟