التناقض بين توقعاتى لحظة سماعى خبر القبض على مندور، وتوقعى لحكم المحكمة الذى سيصدر خلال هذا الأسبوع عليه مخيف - التناقض مخيف رغم أنه حدث فى أفكارى فقط. عندما سمعت أن أحمد مندور عضو حزب التحالف الشعبى الاشتراكى وأحد مؤسسى حملة أحياء بالاسم فقط، أُلقى القبض عليه فى رمسيس، قلت لصديقه الذى أبلغنى «ما تقلقش ساعتين وهايخرج أول ما يكتشفوا أنه مش إخوان». كان ذلك مساء يوم 16 يوليو سنة 2013. الآن أتوقع أن مندور (رغم أنه ما زال مش إخوان) سيصدر ضده حكم قاسٍ، على جريمة لم يرتكبها. أتذكر جيدًا مكالمة صديق أحمد التالية والتى أبلغنى فيها بأن وكيل النيابة أمر بحبسهم جميعًا أربعة أيام على ذمة التحقيق، تبادلنا اختلاق الأعذار «أنا قلت: هو مافيش محامى حضر معاه ولا إيه؟ وصديقه قال: العدد كبير وأكيد وكيل النيابة ماقدرش يعرف أن مندور مش إخوان»، تلت الأربعة أيام خمسة عشر يومًا أخرى، ثم رُفض الاستئناف، وقتها فسرنا الرفض بأن محامى مندور قدم الاستئناف مع محامى الإخوان، فى التوقيت نفسه مما جعل الأمر يبدو وكأنه واحد منهم. بعدها تولى القضيه محام آخر سلح نفسه بكل ما يثبت أن مندور ليس من الإخوان، وأنه لم يكن فى المسيرة أصلًا، وأنه عضو حزب التحالف الاشتراكى. فى الوقت نفسه كان المجلس القومى لحقوق الإنسان قد تشكل وتولى عبد الغفار شكر، رئيس الحزب الذى ينتمى له مندور، منصب نائب رئيس المجلس. لم يشكل هذا أى فرق، وظل قرار استمرار الحبس يصدر المرة بعد الأخرى للأسماء المسجلة فى المحضر معا من دون أى تمييز بين إخوان أو غيره، بين مشارك فى مسيرة أو محاول الاعتداء على قسم أو بائع جائل فى المنطقة. أحد كبار الصحفيين اتصل بأحد مساعدى النائب العام، بناء على طلبى، ليسأله عن كيفية التصرف فى مثل هذا الوضع فأجابه وقتها، أن قاضى التحقيق أو مًن يصدر قرار استمرار الحبس لا يستطيع أن يستثنى أحدًا ممن يشملهم المحضر، مشيرًا إلى أن هذا هو العدل. كنت أعتقد أن العكس تمامًا هو العدل، لكننى تنبهت (بعد هذه المكالمة) أن علىّ مراجعة الكثير من أفكارى وبالتالى توقعاتى. عرفت أيضًا أن التحريات التى طلبها القاضى أو سيطلبها يمكن أن تكون من دون قصد ضد مندور، لأنها -بسبب الزحام- تتم بسرعة وبشكل روتينى وبشكل جماعى أيضًا. أعداد المتهمين المحتجزين كانت تزداد بجنون، حتى نسى أغلب الناس الواقعة التى تم القبض فيها على مندور، واختلطت على الجميع أحداث رمسيس الأولى بالثانية بقسم الأزبكية بمسجد الفتح، وبعد أن كان مندور واحدًا من خمسة وستين، أصبح واحدًا من أعداد لا حصر لها. لكنه ظل عند عبد الغفار شكر (لأسباب كثيرة) له أهمية شخصية، فاستغل فرصة حوار بينه وبين رئيس الجمهورية المستشار عدلى منصور ليحدثه عن مندور وعضو آخر فى الحزب له نفس الظروف تقريبًا. وفوجئنا بعدها بخبر صحفى يؤكد أن الرئيس أكد لعبد الغفار شكر أن ما حدث للشابين مجرد خطأ سيتم إصلاحه فورًا. للأسف لم يكن يعلم -لا الرئيس ولا شكر- أنه قبل هذا الحوار بساعات كان اسم مندور قد أُدرج بالفعل فى قرار الاتهام، وأنه سيمثل أمام محكمة الجنايات.