لا أعرف لماذا ننتظر حتى تذيع الإدارة الأمريكية ما تراه حول الاتصالات التى تجرى بالمسؤولين المصريين «من وجهة نظرها بالطبع»، ولماذا لا نبادر نحن بوضع الصورة كاملة أمام الرأى العام، ما دمنا نعرف اللعبة الأمريكية من البداية؟! آخر حلقات المسلسل كان ما أذاعه المسؤولون الإعلاميون بوزارة الدفاع الأمريكية عن اتصال وزيرهم «تشاك هيجل» مع وزير الدفاع المصرى الفريق أول عبد الفتاح السيسى قبل يومين. قال الأمريكان إن وزيرهم قدم تعازيه فى شهداء المنصورة ومدينة نصر والشرقية «شكر الله السعى الأمريكى!!» وإنه أدان الهجمات الإرهابية الأخيرة وعرض المساعدة فى التحقيق فيها «يكاد المريب يقول خذونى».. ثم يضيف الأمريكان كلامًا حول أهمية المشاركة لكل الأطراف فى العملية الديمقراطية معربًا عن «قلقه» إزاء المناخ السياسى فى مصر قبل إجراء الاستفتاء، بما فى ذلك استمرار تطبيق قانون التظاهر!! القاهرة ردت بأن الفريق السيسى أكد للفريق الأمريكى أنه لا رجوع للوراء، وأن مصر مستمرة فى تنفيذ خريطة الطريق، وأن مصر تدير حربا شرسة ضد الإرهاب، وترفض تدخل أى دولة فى شؤون مصر أو المشاركة فى التحقيقات مع العناصر الإرهابية، وأن قانون التظاهر جاء بعد مراجعة كل القوانين المماثلة بما فيها القانون الأمريكى نفسه!! قبل ذلك كان وزير الخارجية الأمريكى «المعتدل» جون كيرى قد اتصل بوزير خارجيتنا ليبدى نفس «القلق» من صدور قرار اعتبار «الإخوان» جماعة إرهابية!! ومن المؤكد أن السفير نبيل فهمى قد رد عليه بما يناسب الموقف، وبما يناسب «الدبلوماسية» التى تترفق فى الرد على هذه «الوقاحة»، التى لا تريد أن تفهم أن مصر بعد الثورة لم تعد كما كانت قبلها، وأن التدخل فى شؤونها الداخلية مرفوض، وأن زمن 99٪ من أوراق اللعبة فى يد واشنطن قد انتهى إلى الأبد!! نعرف حالة الارتباك التى تمر بها السياسة الأمريكية فى المنطقة بعد الضربة التى تلقتها بثورة 30 يونيو التى أجهضت كل مخططاتها، وكشفت أبعاد التآمر على مصر وتسليمها لإرهاب الإخوان، مقابل إبقاء مصر والمنطقة العربية تحت الهيمنة الأمريكية وتحت حكم الإرهاب باسم الدين الحنيف. ونعرف مدى «القلق» الأمريكى الحقيقى من انكشاف كل الأدوار بعد إحالة المعزول مرسى وإخوانه للمحاكمة بتهمة «التخابر» التى لم تكن المخابرات الأمريكية إلا فى قلبها!! ونعرف أيضًا أن واشنطن ستفعل المستحيل «كما فعلت على مدى ستين عامًا» لكى تحاصر دور مصر وتمنع نهضتها، وأنها سوف تستخدم كل الوسائل -بما فيها الإرهاب- لتحقيق ذلك!! لكننا نعرف أكثر أن كل ذلك سينكسر أمام إرادة شعب مصر وصلابة جيشها الوطنى «وضعوا مئة خط تحت كلمة الوطنى» التى لا يعرفها الإخوان ولا تريد أمريكا أن تستوعب معناها وهى تتعامل مع عديد من الجيوش العميلة. إننا لا نسعى لعداء أحد، ولكننا لن نقبل الاعتداء من أحد، ولن نتسامح مطلقًا مع من يتآمر على ثورة شعب، ومن يتصور أنه قادر على إعادة الزمن للوراء، ومن يتوهم أنه قادر على استخدام الضغوط الاقتصادية أو السياسية أو حتى العسكرية لكى يفرض إرادته علينا!! تعزينا واشنطن «على لسان وزير دفاعها وغيره من المسؤولين» فى شهداء المنصورة ومدينة نصر والشرقية، وتقول إنها تدين الإرهاب.. ثم تطالبنا بإشراك الإرهابيين فى العملية السياسية!! وتبدى قلقها على اعتبار «الإخوان» جماعة إرهابية، وتكاد تعيد ما كان المعزول قد قاله بعد عملية خطف الجنود فى سيناء، «خلى بالكم من الخاطفين -أو الإرهابيين- لأنهم معنا، وخللى بالكم من المخطوفين -أو الشهداء- من باب تبرئة الذمة»!! لا نريد هنا أن نكرر كلامًا قلناه وقاله الجميع مرارًا بأن أمريكا هى آخر من يحق له التحدث عن حقوق الإنسان، وأن سجلها الإجرامى فى هذا الشأن ليس له مثيل، وأن الدولة التى قتلت مليونًا فى العراق ودمرت سوريا وجعلت ليبيا قاعدة للإرهاب وتسحق السودان وتآمرت -وما زالت- على مصر وباقى الدول العربية.. هذه الدولة من حقها أن «تقلق» ولكن ليس على مصر، بل على مصالحها ومصير أذنابها وعملائها فى المنطقة!! وتبقى الإشارة إلى مشروع القانون الذى أعده الكونجرس الأمريكى، والذى يربط بين استمرار المساعدات واشتراطات عديدة يعرف مسبقًا أن مصر لا يمكن أن تقبل بها!! إذا كانت واشنطن تتصور أن هذه وسيلة ضغط فهى واهمة، وإذا كانت قد نسيت درس «السد العالى».. فالملايين التى ترفع صور عبد الناصر فى ميادين التحرير لا تنسى.. ولا تغفر!!