إذا كنت تعرفه فقط كمخرج فيلم «تايتانيك»، السفينة التى غرقت فى أعماق المحيط، أو فيلم «أفاتار» الكوكب البعيد فى الفضاء فأنت تظلمه حقًا! اهتماماته وإمكانياته الفنية والعلمية أكثر عمقًا من موقع حطام «تايتانيك»، وأبعد خيالا من كوكب باندورا الخيالى فى فيلم أفاتار. داخل استديوهات هوليوود يمارس جيمس كاميرون 13 مهنة سينمائية متخصصة، المشهور عنه كتابة السيناريو والإخراج والإنتاج، لكنه يقوم أيضًا بأعمال المونتاج والمؤثرات والخدع البصرية والديكور والتصوير من بين أعمال فنية أخرى تتعلق بالسينما، ويمتزج ولعه بصناعة السينما وفنونها وتفاصيلها بولعه بالعلوم والاختراعات والاكتشافات الجغرافية، لديه رصيد كبير من أفلام الخيال العلمى المثيرة التى تتناول صراعات بين بشر ومخلوقات فضائية تسبح فى عالم الفضاء اللا نهائى، وأعمال أخرى تغوص فى أعماق البحار والمحيطات المجهولة، لديه هوى وحب خاص لاكتشاف عالم البحار والمحيطات والأعماق المجهولة ينافس فيه كبار المكتشفين. هو نفسه مكتشف حقق إنجازات كشفية، وحصل على أرقام قياسية وغامر وخاطر بنفسه من أجل هذه الاكتشافات.فيلمه الروائى الأول كان قصة مرعبة عن هجوم أسماء «البيرانا» المتوحشة على بعض هواة الغطس فى الأعماق فى جزيرة سياحية، شارك فى إنتاج وكتابة وإخراج نحو 10 أفلام ما بين روائية ووثائقية ترتبط حبكتها بالمياه والبحار أشهرها «تايتانيك» الفيلم الدرامى الشهير، و«تايتانيك» الفيلم الوثائقى الذى ذهب من أجله إلى أعماق المحيط الأطلسى لتصوير حطام السفينة الغارقة. منذ شهور قام برحلة اكتشاف جريئة ورائدة قام فيها بمفرده بقيادة غواصة صغيرة غطس بها إلى أعمق نقطة وصلها إنسان فى أعماق المحيط. لقاء مع أشباح السفينة «تايتانيك» يمكن ملاحظة تأثير رحلات جيمس كاميرون إلى الأعماق التى لم يشاهدها أحد من قبل على فيلمه «أفاتار»، لقد استطاع أن يجعل من صورة عالم كوكب باندورا البعيد عن الأرض شديدة الروعة والجمال إلى حد ساحر، ورغم أن الطبيعة التى يعرضها الفيلم مصنوعة رقميًّا على برامج الكمبيوتر فى أغلبها، فإنها تشبه بصورة ما هذه المشاهد الجميلة لأعماق البحار والمحيطات التى تضم الشعاب المرجانية الملونة والكائنات البحرية الشفافة المضيئة التى تشبه القناديل البحرية التى ظهرت فى أكثر من فيلم تسجيلى صوَّره كاميرون فى الأعماق، لقد انتظر كاميرون 15 عامًا بعد كتابته لقصة الفيلم ليبدأ تصويره لأنه لم يجد أن التكنولوجيا فى منتصف التسعينيات يمكن أن تساعده على تجسيد رؤيته الفنية التى كان حريصًا على أن تكون غير مسبوقة. بعد قيامه بتصوير فيلمه الأشهر «تايتانيك» ذهب جيمس كاميرون ضمن بعثة استكشاف علمية لتفقد حطام سفينة «تايتانيك» الحقيقية، وبدعم من شركة «والت ديزنى» و«والدن ميديا» قام بتصوير فيلمه الوثائقى «أشباح الأعماق» Ghosts of the Abyss، وبصحبة فريق علمى متخصص وغواصة روسية تمكَّن كاميرون من التقاط صور غير مسبوقة لحطام الباخرة الإنجليزية العملاقة التى أبحرت من ميناء لندن أربعة أيام فقط قبل أن تغرق فى 15 أبريل عام 1912، وتمكَّن من خلال كاميرات شديدة الدقة والوضوح وتقنية التصوير ثلاثية الأبعاد من تصوير تفاصيل دقيقة وواضحة للمركب الغارقة على عمق 12500 قدم، وتمكنت كاميرات مثبتة فى أجهزة صغيرة تعمل بالريموت كنترول من التجول داخل حطام السفينة الضخمة وتصوير بقايا الغرف والممرات، وقام الممثل بيل باكستون الذى جسد دور قائد السفينة التى اكتشفت حطام «تايتانيك» فى الفيلم الذى أخرجه كاميرون بدور الراوى بالفيلم الوثائقى الذى وصفه كاميرون بأنه تحقيق مصور يروى ملابسات غرق هذه السفينة العملاقة. 2 تويتة من عمق 11 كيلو متراً تحت سطح المحيط هذا التحدى الذى قام به كاميرون لنقل صورة واقعية لبقايا «تايتانيك» لم يكن كافيًّا لطموحه كمكتشف، أراد أن ينتقل من مكانه خلف الكاميرا ويترك الكيبورد الذى يضرب عليه بأصابعه كلمات مشاهد وسيناريو أفلامه إلى القيام بدور البطولة فى مغامرة حقيقية، لم يغفل بالطبع توثيق تفاصيل رحلته بالكاميرا، وبمساعدة مؤسسة ناشيونال جيوجرافيك وشركة روليكس للساعات تمكَّن كاميرون وفريق من العلماء من القيام برحلة محفوفة بالمخاطر إلى أعمق مكان وصله إنسان على وجه الأرض منفردًا، قبع كاميرون وحيدًا فى الغواصة «Deepsea Challenger» التى كانت تهبط إلى أعماق خندق ماريانا بالمحيط الهادى فى بقعة لم يصلها بشر من قبل، ولم يتم اكتشافها أو تصويرها من قبل أى فرد أو مؤسسة استكشافية، المكان لم يكن رحلة ترفيهية سهلة، فعلى بعد 11 كيلو مترًا أسفل أعماق المياه يصل ضغط الهواء نحو 16000رطل لكل بوصة مربعة من الغواصة، ويتسبب هذا الضغط فى تقلص حجم الغواصة عدة بوصات على هذا العمق. بدأ كاميرون وفريقه اختبارات للغطس فى أواخر شهر يناير 2012 بالتدريب لساعات قريبًا من السطح فى القاعدة البحرية ب«سيدنى» بأستراليا، البداية كانت محاولة الغطس إلى عمق 1000 متر، ولكنها توقفت بسبب مشاكل نشأت فى الكاميرات وفى نظام المحافظة على الحياة، ثم قام لاحقًا بالغطس بالغواصة إلى عمق 991 مترًا، وبدأ فى اختبارات أعمق استغرقت نحو 7 ساعات بالغواصة، واستطاع الوصول إلى عمق 3700 متر، وقابل عددًا من المشاكل منها تقطع فى عمل نظام الطاقة، كما واجهته تيارات مائية غير متوقعة، مما أجبره على إنهاء الاختبار فى هذا اليوم، ولم تكن تلك أخطر مراحل الاختبارات التى كان يقوم بها كاميرون بنفسه، بل إن أشدها جاء بعد إحرازه رقمًا قياسيًّا بالغطس بالغواصة إلى عمق 7260 مترًا، وتوقف قبل الوصول إلى قاع «خندق نيو بريتان»، حيث واجه خللا فى عمل محركات الدفع الرأسى، وبعد إصلاح الخلل تمكَّن من إعادة التجربة، وتوجه مع فريقه إلى قاع خندق ماريانا الذى لم يصل إليه بشر من قبل، حيث غطس على عمق 10,898 ألف متر بمفرده فى الظلام الحالك. تلفّت حوله بعد وصوله إلى القاع فى حماس شديد وكتب على حسابه على تويتر: «وصلت للتو إلى أعمق نقطة بالمحيط، لم يكن الشعور بالارتطام بالقاع سهلا، أتشوق لمشاركتكم ما أراه الآن». وصلت التويتة التاريخية لكاميرون لمتابعيه فى جميع أنحاء العالم من مكانه العميق الهادىء، حالك الظلام، فى عمق قاع خندق ماريانا على بُعد نحو 11 كيلو مترًا فى أعمق نقطة وصلها إنسان على ظهر الأرض، ولتتخيل مدى هذا العمق، هو ببساطة يزيد على ارتفاع قمة جبل إيفرست! درس جيمس كاميرون فى شبابه الفيزياء، وربما يفسر هذا اهتمامه بالعلوم بصورة عامة، وتكنولوجيا البصريات بشكل خاص. فى منتصف السبعينيات انتقل كاميرون الكندى الأصل وعائلته من أونتاريو بكندا إلى كاليفورنيا، حيث بدأ دراسة الفيزياء لعامين، ثم تركها لدراسة اللغة الإنجليزية، وبعد تخرجه عمل كسائق شاحنة، وبدأ الكتابة فى وقت فراغه، وفى هذه المرحلة بدأ اهتمامه المبكر بفنون المؤثرات والخدع السينمائية، وقام بتعليم نفسه بنفسه، وكان يذهب إلى المكتبة ويقرأ كل الأبحاث والدراسات التى تناولت علوم المؤثرات السينمائية، كان يقوم بتصويرها إذا تم السماح له بذلك، أو كتابة الملاحظات ونقل الرسوم والمخطوطات، وحينما شاهد أول أفلام سلسلة «حروب النجم» Star Wars للمخرج جورج لوكاس عام 1977 قرر ترك وظيفته كسائق والالتحاق بعالم السينما فى هوليوود الذى رأى فيه المكان الملائم لشغفه بالعلوم والفن والخيال فى نفس الوقت. يعد نظام التصوير السينمائى باستخدام كاميرا Fusion أو ما يطلق عليه (Reality Camera System 1) -وهو الجيل الجديد من الكاميرات الفائقة الجودة التى تعطى صورة مجسمة ثلاثية الأبعاد- نقلة ثورية فى صناعة السينما، ساهم فى تطوير هذه التقنية وتوظيفها للسينما جيمس كاميرون ومدير التصوير فينس باك، ورغم أنها أصبحت متاحة عبر عديد من الشركات الكبرى المتخصصة فى الكاميرات مثل سونى، فإن كاميرون لا زال يقوم بتطويرها لتصبح أكثر كفاءة ودقة، وقبل سنوات وبعد عرض فيلم «أفاتار» أقنع كاميرون وكالة «ناسا» بتعديل موعد رحلة الفضاء المتجهة لكوكب المريخ لتركيب كاميرا تستطيع تصوير سطح الكوكب بتقنية ثلاثية الأبعاد أكثر دقة ووضوحًا.