الأهم لدى الناس فى المرحلة القادمة هو من يدعم حقوقهم أمام سلطة قادمة، ولا يعنى المواطن -الناس- البسيط كثيرا، بمن فى السلطة بقدر ما يهمه من سيأتى بحقوقه. غدا يُقَر الدستور الجديد، بإرادة كل من نزلوا فى 30 يونيو، رافضين العودة لمتاهات الإخوان وحلفائهم، وجدل السياسيين المتفرغين! بعدها يواجه الناس موقعة جديدة للصراع والتنافس السياسى على السلطتين التشريعية والتنفيذية. صراع تتصدره، خلايا الإخوان «بعنف وترهيب»، وفلول نظام مبارك بفساده، بجانب بقايا ما يمكن أن نطلق عليهم، مجازا، تيارات ليبرالية ويسارية. لا يتعدى عددهم جميعا «باستقطاباتهم» مليون شخص، يحاولون التأثير على باقى الشعب، برشاوى انتخابية، بالحلال والحرام، ودواعى الأمن والاستقرار، أو بحديث الثورة. سيلعب المال، والترهيب، والمصالح الدور الأكبر فى العملية الانتخابية، وهذا ليس بجديد. أبصارهم جميعا صوب المقعد لا أكثر، وقد فشلوا جميعا من قبل، حتى فى تقديم برنامج حقيقى، وعمل وسط الناس. اليوم يعتمدون على قلة حيلة الناس، واضطرارهم إلى الاختيار بين أفاقين وفاسدين وفشلة. فهل يظل الناس فريسة لهواة وحواة السياسة، أم يمكنهم التعبير عن مصالحهم والدفاع عنها؟ ما نوع الدعم الذى يحتاج إليه المواطنون؟ ومن سيقدمه؟ وكيف؟ نتحدث عمن انتظرنا أن يتصدر المشهد منذ ثورة يناير، ولا يزال غائبا! مُستغرقا فى المشهد، يحاول نجومه أن ينخرطوا فى الصراع بكل استقطاباته، لا ممارسة مهمتهم الرئيسية دون التورط به؟! المجتمع المدنى، مجتمع المؤسسات المدنية غير السياسية، ولا الدينية، ولا الحزبية. لا تنافس السياسيين ولا تطمع فى السلطة. لسان الناس والمعبر عن حقوقهم ومصالحهم، وفقط. الوسيط الفعال بين المواطن والسلطة، لا ليس بوسيط، بل متحدث قوى هادر باسم مصالح المواطنين فى مواجهة السلطة. لا ينحاز إلا لحقوقهم، رسالته العدل والمساواة والحرية لكل مواطن. هل يجد الناس فضاءهم ومنبرهم.. ممثلهم القوى؟ أين مجتمعنا المدنى؟ إلى أى مدى تم استقطابه؟ هل حاد عن مساره وأهدافه؟ وراح يعبر عن مصالح أفراده وانحيازاتهم ومصالحهم؟! فمن يخوض الانتخابات، أو يدعم فريقا ضد آخر، أو خطابا ونشاطا أقرب إلى العمل السياسى عن أى شىء آخر. آن أوان قيام المجتمع المدنى بدوره ومسؤولياته، فى التعبير عن حقوق الناس، واعتزال العمل السياسى!! نحتاج اليوم أكثر من أى وقت مضى، إلى مجتمعنا المدنى قويا فعالا، واضح الهدف. نحتاج إلى إصلاح مؤسساته، أكثر مما نحتاج إلى إصلاح تنظيماتنا السياسية. أولا لأننا لم تعد لدينا رفاهية التحدث عن التنظيمات السياسية، فى ظل فشلها المتجدد منذ الثورة. وثانيا لأن المجتمع المدنى هو أداة وصوت المواطنين جميعا بغض النظر عن انتماءاتهم وانحيازاتهم. هو مؤسسات المواطنين، وإصلاح حال المواطنين يجىء بإصلاح مؤسساتهم. إصلاح المجتمع المدنى يبدأ من الالتزام بأهدافه، ومبادئه «الحياد، الاستقلال، الشفافية، النزاهة»، والانحياز لحقوق ومصالح المواطنين. بتركيز ميزانياتهم وبرامجهم، وتطوير آليات عملهم، صوب الدفاع والمطالبة بحقوق الناس، وتوعية المواطنين واستقطابهم فى حملات مستمرة لدعم حقوقهم. بصدور الدستور يقر الشعب حقوقه وحرياته، فى إطارها العام. يعقب ذلك مرحلة تفسير تلك الحقوق فى قوانين مفسرة ومفصلة، تحدد مضمون الحق والتزام الدولة تجاه توفيره وحمايته وتعزيزه. كيف ستفسر السلطة التشريعية -مجلس النواب- الحقوق الدستورية فى القوانين التى ستُقَر؟ كيف ستلتزم السلطة التنفيذية فى خططها وبرامجها وميزانياتها بتوفير تلك الحقوق؟ تلك هى المعركة الحقيقية، فهل نحن على استعداد، كمؤسسات مجتمع مدنى، لخوضها؟ هل قرأنا دستورنا جيدا؟ هل نعلم أن علينا اليوم -لا غدا- مراجعة قوانيننا، وإجراء التعديلات الواجبة لكى تتماشى مع بنود الدستور، وتلتزم الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، كما تضمن الدستور، والضغط على السلطة التشريعية لإقرارها. هناك عشرات القوانين التى يجب أن نعمل من أجل تعديلها بما يتماشى مع الدستور. تلك هى مهمتنا الملحة والجسيمة، حملتنا القوية المستمرة، لإقرار القوانين والبرامج التنفيذية التى تحول الحق من نصّ إلى واقع يعيشه المواطنون. لن نضيع جهودنا ومواردنا وأهدافنا، فى لعب دور سياسى، والذوبان فى استقطابات المتنافسين، بل سنعمل مع ووسط الناس. سنراجع قوانين الحق فى السكن، والتعليم، والصحة، والعمل، والضمان الاجتماعى، والحماية، والحريات....، ونصوغ تعديلاتها، وبرامج تحقيقها، ونفرضها على أى سلطة قادمة. سنُفَعل دستورنا، حينئذ نكون قد وضعنا حجر الأساس فى بناء مجتمع ما بعد الثورة، مجتمع الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية. فهل ستقوم مؤسسات المجتمع المدنى بذلك الدور «دورها الحقيقى»؟ أم تظل ملحقة إما بمؤسسات الدولة، وإما بتيارات الصراع السياسى؟ هل يقود المجتمع المدنى «مجتمع المواطنين» المواطنين صَوْب حقوقهم، أم يظل ترسًا فى متاهة الضلال والصراع السياسى؟