للمطرب الجميل الراحل محمد عبد المطلب أغنية قديمة يقول مطلعها: «خاين.. ومش هاين.. أقول له يا خاين»! لا أعرف لماذا تذكرتها وأنا أتابع خبر رحالة المعزول مرسى مع قيادات الإخوان إلى المحاكمة بتهمة التخابر. أعرف أن مرسى ارتكب فى أثناء حكمه الأسود من الجرائم ما يفوق التصور، وما لا يمكن أن يفلت به من الحساب. وأعرف أن «الإخوان» نشأت وترعرعت فى حماية دائمة من «الراعى الأجنبى».. بداية من شركة قناة السويس وسلطة الاحتلال البريطانى، وحتى الأمريكان الذين يتصور البعض أن علاقتهم بالإخوان بدأت منذ سنوات قليلة، مع أنها، فى الحقيقة، بدأت قبل أكثر من ستين عامًا، ولا أظن أنها انقطعت عبر أجهزة المخابرات والأنظمة العميلة فى المنطقة! أعرف كل ذلك، ولكن شيئًا يختلف هنا مع تهمة «التخابر». يتحمل المرء أن يرى رئيسًا متهمًا بالاستبداد أو الفساد أو الفاشية أو السرقة.. لكن «التخابر» شىء آخر! أشعر بالإهانة الشخصية أن يكون من جلس على كرسى الحكم فى مصر «أيًّا كان» قد غرق فى هذا المستنقع القذر. أتصور أننا لو جئنا بمجرم بلا ضمير وأجلسناه فى هذا الموقع لاستيقظ ضميره. أعرف أنه فى لحظات النضال الوطنى ضد الاحتلال تحول لصوص المعسكرات البريطانية إلى خير عون للفدائيين. حين يحضر الوطن يغيب كل شىء إلا التفانى فى الدفاع عنه. المشكلة لدى «الإخوان» أن الوطن لا معنى له عندهم، ولذلك فطريق الخيانة مفتوح. ولكن.. أى إهانة يشعر بها المرء وهو يرى من جلس يومًا على كرسى الرئاسة موصومًا بالتخابر والتعامل مع جهات أجنبية للإضرار بأمن الوطن؟! قد لا يكون صعبًا على المعزول وعلى قيادات الجماعة أن يفعلوا ما فعلوه، ولكن فكرة أنه كان لدينا رئىس يتخابر ضد الوطن ستظل مؤلمة ومهينة مهما كان العقاب الذى سيلحق بمن ارتكبها. لن يحس بذلك بالطبع من جاء من مدرسة «طظ فى مصر»! ومن أراد أن يفرط فى حدود الوطن! ومن فتح أبواب مصر أمام العصابات التى تشاركه فكر الإرهاب من كل أنحاء العالم! ومن يصرخ حتى الآن طلبًا للتدخل الأجنبى ضد شعب مصر وجيشها، لأنهم أسقطوا حكم الفاشية والعمالة فى «30 يونيو» المجيدة. الآن نعرف، أكثر من أى وقت مضى، لماذا كان الدعم الأجنبى لحكم الإخوان من واشنطون وحلفائها وذيولها فى المنطقة. ونعرف لماذا كان الموقف المعادى من هؤلاء لثورة شعب مصر التى أسقطت الفاشية. ونعرف لماذا كانت المحاولات الأجنبية المشبوهة للإفراج عن المعزول وعدم تقديمه للمحاكمة، حيت لا تنفضح الأسرار! لكننا الآن نعرف أيضًا قيمة ما أنجزناه فى «30 يونيو» حين أسقطنا حكم الإخوان، وأسقطنا معه مخططات الشر الموضوعة لمصر والعالم العربى كله، وأنهينا عار وجود بؤر «التخابر» فى مقر الرئاسة، واستعدنا القرار المستقل والإرادة التى لا تدين بالولاء إلا لهذا الوطن. حتى اللحظات الأخيرة كان «الإخوان» يراهنون على أن القوى الأجنبية التى دعمتهم سوف تنجح فى إغلاق هذا الملف الخطير! وأن الضغوط سوف تنقذهم من مواجهة الاتهامات الشائنة بالتخابر ضد أمن الوطن. لعلهم يدركون الآن الحقيقة التى لا يريدون أن يروها منذ 3 يونيو. ولعلهم يفهمون أن القرار فى مصر لم يعد يخضع لوصاية أحد فى الخارج مهما كان. ولعل من خُدعوا فيهم يرون الآن الصورة كاملة فيتبرؤوا من هؤلاء الذين أساؤوا إلى الدين وخانوا الوطن. إذا كنت مثلى تعرف ولو جزءًا من صورة ما جرى منذ 30 يونيو، فسوف تشعر بالاعتزاز بأن فى مصر سلطة تمثل بالفعل ضمير الثورة وترفض أن يكون قرار مصر رهينة فى يد أى قوة أخرى، أو أن يتأثر بأى ضغط أو ابتزاز خارجى أو تآمر داخلى. هذه هى مصر التى نعرفها والتى اشتقنا إليها طويلا فى ظل سنوات التبعية، والتى كادت تضيع منا حين ابتلانا الله بحكم عميل يتخابر ضد الوطن، ويتحالف مع الشيطان ويخاطب زعيم «القاعدة» بأنه أمير المؤمنين، ثم يتوعدنا بالقتل إذا لم نوافقه على بيع الوطن! كل يوم يمر يؤكد عظمة ما قام به شعب مصر حين خرج فى 30 يونيو ليستعيد الثورة ويسقط الفاشية وينهى أخطر المؤامرات على مصر والمنطقة، وينقذ الوطن من حكم خائن وعميل. وتبقى فى القلب غصة أن مصر قد شهدت يومًا رئيسًا يتخابر!