رئيس تحرير «ثلاث حواديت»: السلسلة تكسر إطار التقليدية في أدب الطفل الافراج عن أحمد ناجي ب«عفو» أمر يستحق الرثاء أكثر من الفرح يرى الشاعر عمرو حسني، من واقع تجربته مع إصدار "قصر الندى" الذي ترأس تحريره لعدة سنوات، أن الأعمال الدورية المقدمة للطفل تعاني من بعض السمات التي تجعلها حبيسة إطار معتاد لا يضم أي عناصر جذب أو خروج من التقليدية وهو ما يدفع الكتّاب الشباب الجدد للاستمرار في الطريق الذي سار فيه من زملاءه السابقين، لكنه قرر أن يخالف هذا السرب ويحلق بعيدًا عنه بسلسلة دورية جديدة هي "ثلاث حواديت"، المكتوبة باللغة العامية القاهرة، وتعتمد على أفكار مختلفة عن التي آلفها القاريء الطفل.
"التحرير" تحدثت مع عمرو حسني عن هذه السلسلة التي يترأس تحريرها أيضًا، وتوقعاتها لاستقبال القراء لها، ورؤيته لأدب الطفل.
ما الذي استفدته من تجربة "قطر الندى" وتسعى لتطبيقه مع "ثلاث حواديت"؟
تجربة "قطر الندى" أمدتنى بتصور شبه واف عمّا يدور في عالم الكتابة للطفل، عبر ما أرسله الكتاب للمجلة وما وصلني على بريدى الاليكتروني الخاص، ومن خلال ذلك لاحظت مجموعة من النقاط التي حرصت على أن تلتزم بها السلسلة الدورية "ثلاث حواديت"، وأهمها ضرورة ابتعاد القصص التى تقدم للناشئة عن الوعظ والإرشاد والتركيز على الاهتمام بالمتعة وإثارة الخيال باستخدام طرق جديدة ومبتكرة فى القص وذلك لتنمية الذائقة الأدبية والفنية لدى الناشئة فى مرحلة عمرية لها خصوصيتها واختلافها
كيف يختلف أدب الطفل في المراحل الأخرى؟
هناك اختلافا كبيرا، فمرحلة ما قبل الدراسة تحتاج لنوع من القص يختلف عن مرحلة ما بعد تعلم القراءة مثلاً ولكن مع الأسف فقد لاحظت أن غالبية ما يقدم فى تلك المراحل المختلفة يعتمد على استنساخ القصص القديمة التى تحظى باستحسان الكبار فنجد مئات القصص عن الكائنات المغرورة كالأسد المغرور والفراشة المغرورة والحذاء المغرور والحقيبة المغرورة وكلها كائنات ترتكب أخطاء قاتلة عندما تقع أسيرة لغرورها ولا ينقذها من التهلكة سوى التواضع واكتشاف قيمة التعاون مع الآخرين. أى تكرار هذا؟ وأى قيمة أدبية يحتويها؟ القصة المبتكرة التى تمتع الكبير صاحب الذائقة الراقية لا بد وأن تمتع الصغير وترتقى بذائقته. فأدب الطفل يجب أن يكون أدباً قبل كل شىء، ولا يصح أن يعامل كنصف أدب يقدمه نصف أديب.
وما مدى خطورة تأثير هذا الاستنساج على الكتابات الموجهة للطفل؟
هي مسألة مرعبة جدًا، لأن فيها استسهال و"استهبال"، ورضوخ لمتطلبات السوق، وانبطاح أمام معايير خاطئة تتحكم في عملية منح الجوائز، فمنذ أيام جائزة سوزان مبارك وحتى الآن، تُمنح الجوائز لمن يكتب داخل الأطر التقليدية المعتادة، إلا فيما قل وندر، وإذا ما تجاسر مؤلف وحاول التغريد خارج السرب يتم استبعاده، لذا يجد الكاتب الجديد أن هذه هي المعايير التي عليه الالتزام بها فيكتب ويعمل وفقًا لها لكى لا يحرم نفسه من الإنتشار ولقمة العيش. الأزمة أن يتسابق الجميع لممارسة لعبة الاستنساخ بلا أي مسؤولية تجاه الطفل أو تجاه الكتابة.
هل ستفلح "ثلاث حواديت" في مواجهة هذه المعايير؟
"ثلاث حواديت" محاولة لكسر هذا الاطار التقليدي، وأن يكون هناك أدب طليعي للناشئة، وهذا لا يعنى أن يكون غامضاً ومستغلقاً على الفهم، إنما يقدم أفكاراً جديدة وغير مألوفة مع مراعاة ألا تكون غرائبية لا يفهمها الطفل أو ينصرف عن استكمالها، لذا عندما تحدث إليّ د. محمود الضبع و د.هيثم الحاج على، رئيس هيئة الكتاب، وتم إبلاغى باختيارهما لي لأقدم تجربة تشبه ما قدمته فى "قطر الندى" باعتبارها تجربة كان لها مردوداً جيداً وافقت، لكن بشرط أن تكون سلسلة تقوم بالأساس على استكتاب مؤلفين، متحققين وجدد، للعمل فى إطار الفلسفة التى تقوم عليها السلسلة. بعدها فوجئت بأن نسبة المؤلفات الواعدات أكبر بكثير من المؤلفين، ووجدتهن يمتلكن ناصية الكتابة الجديدة للطفل بمفهوم يجعلها ممتعة وتعتمد على جموح الخيال وخصوصيته ويتضح هذا فى عددنا الأول حيث نجد كاتبتين هما عبير عبد العزيز، وهي كاتبة متحققة ومتميزة، بقصتها "لعبة الشايب"، وأميمة صبحي بقصتها "الفتاة التي حبست العاصفة"، إلى جانب الكاتب صبحي شحاته، وهو كاتب متحقق وله بصمته، بقصته "بيضة السماء". لهذا السبب أيضاً وقع اختيارى على مديرة التحرير الكاتبة سمر نور لأنها تشاركنى نفس الرؤية في تقديم هذه السلسلة.
ما أبرز العناصر التي اعتمدت عليها السلسلة؟ بالإضافة لما قلت عن اعتمادنا على تقديم لغة قص جديدة تبتعد عن المستنسخات والوعظ والتعليم فإننا نحاول تقديم قصة للطفل بالعامية القاهرية؛ فهناك مشكلة في رأيي تتضح في كل الدوريات والمجلات العربية الخاصة بأدب الطفل أنها لا تعترف بالعامية، كلغة إبداع أدبية إلا في الشعر المقدم للطفل فقط، وعندما يتعلق الأمر بالقصص فلا يتم تقديمها بهذه اللغة وكأنها رجس من عمل الشيطان، لذا توجب وجود وقفة أمام هذا الأمر طالما أننا نقدم شيئاً مختلفاً وخارج المستنسخات، فلا يوجد ما يجعلنا نترفع عن استخدام العامية كلغة للقص. في "ثلاث حواديت" لا نعتمد على العامية كلغة حوار فقط تتخلل السرد الفصيح كما يحدث فى قصص يوسف إدريس مثلاً، ولكننا نقدم قصة للطفل يمكن للمؤلف أن يكتبها من بدايتها لنهايتها بالعامية. خاصة وأن حواديت الجدات وقصص التراث الشعبى تعتمد على لغة عامية تصنع قصصاً غاية فى الإحكام ولها منطقها الإبداعى الخاص.
ما توقعاتك للأصداء التي ستحققها "ثلاث حواديت"؟
أتوقع رد فعل يتسم بالتحفظ من الكبار وبالترحاب من الشباب والناشئة وهذا يتفق مع كونها دورية تختلف عن الكتابات المعتادة للطفل. رد الفعل الذى لمسته من شباب المبدعين يوحى بنتائج طيبة حتى الآن ورغم تقديمنا للعدد الأول بثلاثة كتّاب متحققين، وثلاثة رسامين متحققين، إلا أننا قدمنا قصص العدد الثانى بقلم ثلاث كاتبات جدد هن إيناس التركى ورضوى أسامة وسارة عابدين وبريشة الفنان الرائع سمير عبد الغنى، وسنحاول فى الأعداد التالية الاستمرار فى الاعتماد على كتاب جدد بقدر الإمكان وعلى رسام واحد فقط لكل عدد بحيث تسرى روح واحدة في القصص الثلاث التى يحتويها. أيضاً سنحاول الاعتماد على رسوم طليعية لتتواكب مع القصص غير التقليدية التى نقدمها بقدر الإمكان. بالطبع سينصب اهتمامنا الأول على تقديم كتابة جديدة بغض النظر عن عمر من يقدمها ومدى رسوخ أقدامه فى الواقع الأدبى، فالمهم هو جودة تلك الكتابة الجديدة وطزاجتها. العدد الأول يحتوى على قصة "لعبة الشايب" لعبير عبد العزيز، وهي كاتبة متحققة ومتميزة كما قلت، قدمت فكرة جديدة عن طفل وقع في مأزق غير مألوف تماماً ولن أحكى أكثر من هذا كى لا أفسد القصة لمن سيقرأها. بشكل عام أعتقد أن تجربة "ثلاث حواديت" ستقدم لنا كتابة جديدة لكتاب جدد ولكتاب متحققين على السواء ولآخرين كانوا واقعين فى أسر الكتابة التقليدية بسبب أن سوق النشر كان يدفعهم للسير في الطرق المألوفة التى تضمن لهم الموافقة على طباعة أعمالهم.
من ناحية أخرى.. كيف ترى أداء وزير الثقافة وهل حقق آمال المثقفين؟
بشكل عام، وزراء الثقافة تختارهم السلطة الحاكمة باعتبارهم يخدمون رؤيتها وتوجهاتها، لذلك يتم إلغاء وزارات الثقافة في الدول المتحضرة، لأن التثقيف عملية أكثر رحابة وتحضراً وتعقيداً من الإرشاد والتوجيه، الثقافة الموجهة في حد ذاتها مسألة رديئة، لذا إن تم عمل استفتاء لدى المثقفين اللامعين فإننا لن نجدهم يقولون كلمات مديح في وزراء الثقافة على مر العصور إلا فيما قل وندر، وتجربة ثروت عكاشة كانت هى الاستثناء الوحيد الذى يؤكد القاعدة، فلقد تم اختياره لوزارة الثقافة في حقبة المد القومي أيام جمال عبد الناصر، ليقدم رؤية تحررية ثورية للتثقيف الشعبى، فقام وقتها بتنفيذ خطة رائعة لنشر وترجمة المسرح والأدب العالمي، وربما يكون هو الوحيد الذي تم الاتفاق عليه من قبل المثقفين فى تاريخ تلك الوزارة، أيضاً د.عماد أبو غازي، الذي جاء وقت ثورة يناير، وكان من اختيار الثوار فى الميدان، كان يمثل بداية لتجربة واعدة وكان رد فعله متسقاً مع توجهاته اليسارية التى كان يحلم أصحابها أن تتمخض الثورة عن دولة مدنية.
كيف وجدت الإفراج عن الكاتب أحمد ناجي؟
الإفراج عن الكاتب أحمد ناجي أمر جيد، ولكن فكرة السجن من بدايتها للمثقفين والكتّاب كعقاب لهم على أفكارهم تمثل مخالفة دستورية مرعبة، ونحن إذ نرفض كمثقفين السجن في قضايا النشر، فلا يجب بالتالي أن نفرح لمجرد رفع الظلم عن أحدهم، واقعة حبس كاتب والإفراج عنه بعفو رئاسى، وليس لحكم قضائى ببطلان عقابه وعدم دستوريته، هى واقعة تستحق الرثاء أكثر مما تستحق الفرح. نحن نعيش حالة يرثى لها، ورفع الظلم عن المظلوم هو خطوة لا تضمن عدم تكراره.
أقول هذا بغض النظر عن كل ما يقال عن نوع الكتابة اللي يكتبها أحمد ناجي، والتي قد لا أكون متحمساً لها، لكن في نفس الوقت لا أوافق على تجريم كتابته، ولا أؤيد سجنه بسببها، فليس من حق أي فرد أياً من كان أن يقوم بالوصاية على غيره، وعلى القاريء فى النهاية الاختيار بين مختلف الكتابات، والتجول كما يحلو له فى حدائق الأفكار العاطرة أو حتى فى صحاريها الحارقة. مفهوم الثقافة الموجهة كما أشرت قبلاً لا يختلف كثيراً عن مفهوم الوصاية وكلاهما يؤدى فى النهاية إلى تجريم المثقف وسجنه، ربما لهذا نحتاج إلى كتابات جديدة للصغار قبل الكبار حتى نخرج من أسر المألوف وتعتاد عقولنا على استساغة الأفكار المختلفة وعدم التورط فى رفضها بسرعة لمجرد أن عيوننا لا تألفها.