عندى رجاء لك عزيزى القارئ.. أرجوك احتملنى واصبر على سطور اليوم حتى النهاية ولا تزهق بسرعة من ثقل الحزلقة وغبار التفلسف الذى ربما تجده يلون ملامح الكلام من بعد هذا السطر.. وأبدأ بيقين وحكم قطعى أقبل الرهان عليه من أى كان، منطوقه إن «إخوان الشياطين» لن ينجحوا أبدا فى صنع أسطورة ولو خيبانة يقتاتون عليها ويهربون تحت غطاء خرافيتها من قدر الموت الزؤام والهزيمة النهائية التى استحقوها وتحققت فعلا على يد الشعب المصرى، بعدما ذاق بنفسه طعم فسادهم وكذبهم وانحرافهم الأخلاقى واضمحلالهم العقلى وتشوههم الروحى. لقد حاول هؤلاء الشياطين الأشرار (هذه ليست شيطنة وإنما وصف حالة) وحزقوا كثيرا وما زالوا يعافرون لكى يخترعوا من العدم «أسطورة ملاكى»، وأن يؤسسوا من واقعة تنظيف وإزالة بؤرة الإجرام والعفن التى أقاموها على قارعة الطريق أمام مسجد رابعة العدوية معالم «صورة أسطورية»، لكنهم بسبب الجهل وأشياء أخرى فشلوا فشلا ذريعا، واصطدموا بحائط صلد لن تستطيع عقولهم المظلمة المشبعة بالملوثات والهلاوس أن تفهم طبيعته وكنهه، ولماذا يستعصى بنيانه المحكم على أمثالهم خرقه والنفاذ منه. عند هذا الموضع لا بد من أن أحكى للقراء حكاية سريعة ومختصرة جدا عن الأساطير عموما وشروط تأسيسها وكيف تستقر وتعيش، وسأنقل هنا مضطرا شيئا مما فهمته من كتاب بديع وبالغ العمق و(الصعوبة أيضا) ألفه قبل أكثر من قرنين، الفيلسوف الألمانى ذائع الصيت فردريش فيلهلم شيلنج وأصدره تحت عنوان «فلسفة الأسطورة».. وفى هذا الكتاب الذى نقله إلى العربية المفكر الكبير والباحث المتفلسف عبد الرحمن بدوى، يشرح شيلنج علاقة الإنسان بالأسطورة وكيف استعان بها فى مشوار تطوره العقلى، حتى يتمكن من فك ألغاز الكون الذى وجد نفسه يسبح فى ملكوته الواسع من دون أن يملك إجابات شافية على أسئلة خطيرة تشغل باله أهمها: كيف يعمل هذا النظام الكونى المحكم؟ ومَن تلك القوة الهائلة العظيمة التى وضعت نواميسه وراحت تديره وتدبر أوضاعه على هذا النحو المنضبط والصارم؟.. باختصار، يرى شيلنج أن الحكايات الأسطورية كانت طريق البشر للهداية إلى الله ووحدانية الخالق. هذه الفكرة يشرحها الفيلسوف الألمانى بما معناه أن الإنسان اخترع الحكاية الأسطورية بطريقة موازية للحكاية التاريخية الحقيقية، ورغم أن الأخيرة هى الحاملة للحقيقة المادية الثابتة أو التى ممكن إثباتها، فإن الأسطورة الناجحة هى التى تنطوى على «حقيقتها الخاصة»، بما يجعل سماتها وملامحها الخرافية ليست دليلا على الكذب وخداع النفس بقدر ما هى نابعة من براءة وشعور إنسانى صادق بالشوق والرغبة المخلصة فى امتلاك إجابة وتفسير مريح وسهل لحال الكون وعلة الوجود الإنسانى فيه. إذن البراءة والصدق والإخلاص للحقيقة، كانت دائما وأبدا شروطا أساسية لازمة للنجاح فى صنع أسطورة تستطيع أن تبقى وتعيش، ومن ثم فإن الكذب والمخاتلة والرغبة المريضة فى النصب والتزوير كلها تجعل الخيبة القوية والفشل الذريع من نصيب الأشرار الذين يصور لهم الطمع والجنان الرسمى (فضلا عن سوء التربية والتعليم) أن بمقدورهم «أسطرة» جرائمهم وأنهم يستطيعون الإفلات بها من وجه العدالة وأن يأمنوا العقاب الواجب فى الدنيا والآخرة.. وصباح الخير.