«لا يمكن معرفة شخصية محمد بكل جوانبها. ولكن كل ما في استطاعتي أن أقدمه هو نبذة عن حياته من صور متتابعة جميلة. فهناك محمد النبي، ومحمد المحارب،ومحمد رجل الأعمال، ومحمد رجل السياسة، ومحمد الخطيب، ومحمد المصلح، ومحمد ملاذ اليتامى، وحامي العبيد، ومحمد محرر النساء، ومحمد القاضي، كل هذه الأدوار الرائعة في كل دروب الحياة الإنسانية تؤهله لأن يكون بطلا» البروفسير الهندي راما كريشنا راو صاحب كتاب النبي محمد؛ ولكن ماذا عن محمد المحب لوطنه؟ فقد روي ابن اسحاق ان ورقه بن نوفل قال للنبي في بدايه البعثه لتكذبنه ولتوذينه وليخرجوك فقال النبي او مخرجي هم ؟! عجبآ لم يكترث النبي للاغتيال المعنوى بالافتراء والتكذيب او حتي الاغتيال المادي بالايذاء والقتل وانما ما استنكره وازعجه فقط هو اخراجه من وطنه. الهذا الحد يمكن للمرء ان يحب وطنه !! عندما صدقت نبوءة ورقه وجاء اليوم الموعود وقف النبي ينظر الي وطنه نظرة العاشق الحزين لفراق المحبوب ويناجي حجر وشجر الوطن ويقول ما أطيبكِ وأحبكِ إلي ولولا أن قومكِ أخرجوني ما سكنت غيركِ ولما بلغ به الشوق والحنين لفراق وطنه مداه ما هدأ روحه الا وعد منزل من السماء بالعوده مره أخري "إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد" ولم تقتصر الآلآم الغربه علي النبي وحده فقد وصل الحال باصحابه ان مرض بعضهم بالحمي من لهيب الشوق لوطنهم الذي كان يزيد كلما سمعوا همس آنين اشعار بلال الذي يصف ببساطه وعذوبه حنينه للذكريات بوطنه ويقول :الا ليت شعري هل ابتين ليله * بمكه عند اذخر وجليل *وهل اردن يومآ مياه مجنه*وهل يبدون شامه وطفيل.فلولا دعاء النبي لهم ان يهون عليهم لوعه الغربه والبعد لذابوا شوقآ من شده الحنين لوطنهم،وهو ما كان يتجدد ويتآجج مره آخري عند سماع اخباره من بعيد فعندما قدم أُصيّل الغفاري من مكة سألته عائشة؟ كيف تركت مكة يا أصيّل قال تركتها حين ابيضت أباطحها وأحجن ثمامها وأغدق إذخرها وأبشر سلمها . فاغرروقت عيناه صلى الله عليه وسلم وقال : تشوقنا يا أصيل دع القلوب تقر . يا الهي ما ارق هذه المشاعر النبيله ؛ اتحدي ان يكون هناك شخص احب وطنه وانتمي له مثلما فعل محمد ،علي الرغم من التجريح والهجاء البذئ لم يكن ابدآ فاحشآ او لاعنآ لوطنه ،ومع كل التضييق علي حريته وحقه في التعبير لم يتظاهر يومآ في شوارع مكه لعدم استفزاز مشاعر اهلها،وعندما تم حصاره وتجويعه هو وجماعته بما فيهم النساء والاطفال لمدة ثلاثة سنوات صبر صبرآ جميلآ ولم يعتصم بميدان الكعبه درءآ لفتنه لا طائل من ورائها سوي اراقة دماء الابرياء ،ومع قتل اصحابه غدرآ وظلما وتعرضه شخصيا لمحاولات عديده للاغتيال لم يعلن الجهاد ويأمر بارهاب وتصفيه زعماء الكفار، وآبي ان يدمر وطنه داعيآ من ربه الا يطبق عليهم الاخشبين!! بل علي العكس لم يدخر وسعآ للمصالحه مع وطنه وآثر لم الشمل علي امور العقيدة ولم يفتعل مشكلة (مواد الهويه ) ومحا لقب رسول الله بيديه من وثيقه الحديبيه ليرضيهم وكذلك فعل هارون من قبل مع بني اسرائيل.هذا رسول كان يعرف معني رمز الوطن الرايه (العلم) ومن اجله عدم اهانته وسقوطه استشهد ثلاثه من كبار الصحابه في غزوه واحده .محمد اول من جسد قيم المواطنه بافعاله وكان يقدر النفس البشريه دون تمييز ويقف دقيقه حداد احترامآ لجنازه المواطن اليهودي !! وقال محمد رسول الوطنيه ان حب الوطن من الايمان.وذكر الأصمعي لتعرف أن من لا يحن إلى وطنه ولا يشتاق إلى مواطنيه رجل مخالف للفطرة ، وفيه خلل في نفسيته وتربيته . احسب ان هذا الخلل نتيجه هبوب موجه حاره (رياح خماسين) آتت علينا من قلب البدايه اصابت الروح المصريه بالوهن وعقلنا الجمعي بالتصحر الفكري فاصبحت الوطنيه من البدع المحدثات فهي فكره علمانيه جاء بها رفاعه الطهطاوي من الغرب الكافر،فالوطنيه في نظرهم هي رابطه التراب والسياج سور الحظيره فهي تقدم فقط في عالم العجماوات وان الاوطان اكذوبه صنعها المستعمر وان الوطنيه والاسلام لا يتنغمان ابدآ وان الصدام بينهما من المسائل العقائديه التي يدخل فيها الشرك الخفي الذي نعبد فيه هذا الصنم الجديد المسمي بالوطن لذا يتحتم علي المؤمنين اعلان الولاء والبراء فبداها حسن البنا بقول انا لا انتمي لوطن فاكمل سيد قطب وما الوطن الا حفنه تراب عفنه ثم ختمها محمد مهدي عاكف طز في مصر وابو مصر عندئذ تدرك اسباب شيوع فقه التنطع والتخوين والتكفير ونتائجه الكارثيه ليس علي مصر فحسب وانما علي الامه بأسرها من الانقسام والتشرذم والاحتراب الاهلي .يبدو اننا ابتلينا بقوم يظنوا ان الله لم يهدي سواهم،ولا حول ولا قوة الا بالله .