شيخ الأزهر يستقبل مدير كلية الدفاع الوطني    محافظ أسيوط ورئيسة القومي للطفولة يفتتحان مقرًا جديدًا    إقبال في اليوم الثاني من إعادة انتخابات مجلس النواب 2025 بالأردن    دخل موسوعة جينيس.. «ميناء السخنة» بوابة مصر الجديدة للاقتصاد العالمي    محافظ الجيزة يتفقد الموقع المقترح لإقامة سوق اليوم الواحد    الاتحاد العام للمستثمرين الأفرو-آسيوى يُكرم وزير السياحة والآثار    الأمم المتحدة تحذّر من تصاعد خطر الموت بردًا في غزة    الأمم المتحدة تحذر من تصاعد العنف في كردفان السودانية: 104 قتلى بينهم 43 طفلا في هجمات جوية منذ بداية ديسمبر    الأردن والسويد يؤكدان ضرورة تثبيت وقف إطلاق النار في غزة    انطلاق مباراة مصر ونيجيريا الودية    الشرقية: السيطرة على حريق اندلع في مكتبة حديقة الطفل بالزقازيق    «الأرصاد» تكشف خريطة الظواهر الجوية المتوقعة الأيام المقبلة    4 مصابين جراء تصادم ميني باص وميكروباص في المنوفية    مي عز الدين تعلن خروج مسلسل «قبل وبعد» من سباق رمضان 2026    وزير الأوقاف يشهد الجلسة الختامية لمؤتمر الإفتاء الدولي    افتتاح متحف قرّاء القرآن الكريم بالعاصمة الجديدة    ما حكم من يتسبب في قطيعة صلة الرحم؟.. أمين الفتوى يجيب    السكرتير العام لبني سويف يتابع الموقف التنفيذي لمشروعات الخطة الاستثمارية    الكشف على 1208 مواطنين ضمن القافلة الطبية بقرية أبو جازية بالإسماعيلية    هجوم سيبرانى مريب يضرب مجلس النواب الألمانى خلال زيارة زيلينسكى    عمر مرموش: نخوض أمم أفريقيا لتحقيق اللقب وهدفنا الفوز بكأس العالم    رئيس هيئة المحطات النووية يناقش مع الجانب الروسي تقدم مشروع محطة الضبعة النووية    التأمين الصحى الشامل.. خطوات الاشتراك ومزايا الرعاية الطبية المتكاملة للأسرة    خالد الجندي: لن ندخل الجنة بأعمالنا    سكاي: يونايتد وسيتي يتنافسان على سيمينيو.. وشرط جزائي لرحيل اللاعب في يناير    نداهة فرسان الشرق بالرقص الحديث في مسرح الجمهورية    صدور رواية "ظل الإمام" للكاتبة نهلة النمر عن مركز الحضارة للتنمية الثقافية    حلمي عبد الباقي ردًا على المتحدث الرسمي لنقيب الموسيقيين: لم يوجه لي أي اتهامات في التحقيق    ذا بيست.. دوناروما أفضل حارس مرمى في العالم 2025    نهاية قصة "توشيبا العربي" بعد سنوات من التعاقد بمصر    زلزال بقوة 3.8 درجة على مقياس ريختر يهز أنطاليا التركية    البورصة تخسر 22 مليار جنيه بختام تعاملات منتصف الأسبوع    قرطاج تستقبل أول عروض "ضايل عِنا عر" اليوم بمدينة الثقافة التونسية    غدا أولى جلسات محاكمة «ولي أمر » في قضية التعدي على مدرس بالمقص في الإسماعيلية    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل جواهرجى البحيرة إلى يوم 12 يناير    الندوة الدولية الثانية للإفتاء تدين التهجير القسري وتوضِّح سُبل النصرة الشرعية والإنسانية    اعتدى على أطفال وصورهم.. تجديد حبس مدرب أكاديمية الكرة بالمنصورة    وزير التعليم ومحافظ أسوان يواصلان جولتهما التفقدية بزيارة المدرسة المصرية اليابانية    إغلاق ملف فيتوريا رسميًا.. تسوية نهائية بين المدرب واتحاد الكرة في «CAS»    الصحة تُحذر من تخزين المضاد الحيوي واستعماله مرة أخرى    غزل المحلة: لدينا أكثر من 90 ألف دولار عند الأهلي.. وشكونا بلوزداد ل فيفا    * رئيس هيئة الاستثمار يثمن دور "نَوَاه العلمية" في تعزيز الابتكار والمعرفة ويؤكد دعم الهيئة المستمر للقطاع العلمي    حماس: 95% من الشهداء بعد وقف إطلاق النار مدنيون.. ولا يحق لإسرائيل استهداف رجال المقاومة    ب 90 مليون جنيه، محافظ بني سويف يتفقد مشروع أول مدرسة دولية حكومية    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 16ديسمبر 2025 فى المنيا    هل تلتزم إدارة ترمب بنشر ملفات إبستين كاملة؟ ترقّب واسع لكشف الوثائق قبل الجمعة    من المنزل إلى المستشفى.. خريطة التعامل الصحي مع أعراض إنفلونزا h1n1    توروب يتمسك بمستقبل الأهلي: شوبير عنصر أساسي ولا نية للتفريط فيه    رئيس قطاع المعاهد الأزهرية: الاعتماد مسار شامل للتطوير وليس إجراءً إداريًا    الزمالك يجدد ثقته في نزاهة جهات التحقيق في أرض أكتوبر ويؤكد التزامه الكامل بالقانون في قضية أرض أكتوبر (بيان رسمي)    دغموم: الزمالك فاوضني من قبل.. وأقدم أفضل مواسمي مع المصري    عضو بالأزهر: الإنترنت مليء بمعلومات غير موثوقة عن الدين والحلال والحرام    ارتفاع تأخيرات القطارات على الوجه القبلي بسبب الإصلاحات    «التضامن الاجتماعي» تعلن فتح باب التقديم لإشراف حج الجمعيات الأهلية لموسم 1447ه    قانون العمل الجديد يُلزم أصحاب العمل بإنشاء دور حضانة لرعاية الأطفال    مديرية الطب البيطري بالقاهرة: لا مكان سيستوعب كل الكلاب الضالة.. وستكون متاحة للتبني بعد تطعيمها    أسعار الخضار والفاكهة اليوم الثلاثاء 16-12-2025 فى المنوفية    محمد القس يشيد بزملائه ويكشف عن نجومه المفضلين: «السقا أجدع فنان.. وأتمنى التعاون مع منى زكي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دويتو محمود عبد الشكور
نشر في التحرير يوم 05 - 11 - 2013

يتكرر السؤال والرد كل يوم عدا يوم الجمعة، بالضبط عند الساعة الخامسة:
_ وصلتى يا أم محمد؟
_ وصلت يا أبو صابر.. كفاية زعيق.
قبل ربع الساعة، يكون قد سبقها إلى مدخل العمارة الجانبى، بوابة حديدية تجاور محل الحلويات، ممر طويل ينتهى بمرآة تعكس صورته، عجوز تجاوز السبعين، يقترب فى كل يوم من صورة وجهه متأملا لحيته البيضاء الخفيفة التى يشذبها كل يوم، لا يعجبه قوامه النحيف، ولا الصلعة المحاطة بنُتَف الثلج، والتى تنتهى بسماعة معلّقة فى أذنه، يتأبط جرائده المفتوحة على صفحة الحوادث، يداعب البواب النوبى، يسميه عبده نيجاتيف، يتأفف البواب ويبرطم بكلمات غير مفهومة، ينحرف أبو صابر إلى اليسار صاعدا إلى الطابق الأول فى البناية الضخمة، يهندم القميص والبنطلون، ينظر إلى باب العيادة المجاورة المغلق، يفتح باب عيادته، يضىء النور، ويتفقد كروت المرضى المرتَّبة.
قبل خمس دقائق، تدخل أم محمد، عرج خفيف يميل بها يمينا ويسارا، بيضاء وقصيرة، عيناها صغيرتان، إسدال طويل يضع جسدها بين قوسين، فى يدها اليمنى شنطة سوداء، ويدها اليسرى لا تتوقف عن تنفيض ما علق بثوبها الطويل الغامق من الأوتوبيس، تتابعها مرآة الحائط بلا مبالاة كأنها لم تنعكس عليها، حفيف الحذاء يؤرق البواب، يدير وجهه لاعنا ابنه جعفر، تهمس فى سرّها «اتمسى واتهدّ بقى..»، تتسلل لتفتح عيادة طبيب أمراض القلب، يزعجها النور، قبل أن تفتح التليفزيون، يأتيها صوته صارخا: «وصلتى يا أم محمد؟».
لا يهون عليه أنه أزعجها، بعد دقائق تجده أمامها ومعه الجريدة على صفحة الحوادث، يسألها بصوت عالٍ عما إذا كانت قرأت حكاية الخمسة الذين سقطوا فى بالوعة المجارى، وهم يحاولون إنقاذ قريبهم، عيناها الملونتان وراء النظارة معلقتان بأحداث المسلسل الهندى المدبلج، تأخذ يدها اليسرى الجريدة، تهتف لكى يسمعها: «ح اقراها.. بس أشرب الشاى.. اعملّك كوباية؟»، هنا فقط يتذكر أنه عزمها على حادثة، ونسى أن يعزمها على الشاى، مثل تلميذ يعتذر عن عدم عمل الواجب، ويعد بإنجازه، يقول أبو محمد: «والله عامل حسابك.. ح اجيبلك كوبايتك».
لم يتذكرها فى دور الشاى الافتتاحى هذه المرة، شغلته مباراة كرة معادة بين ألمانيا وهولندا، فتح التليفزيون الصغير، وترك الشاى يغلى، يصب كوبا واحدا بالعافية، يعود إلى عيادة القلب، لم تقرأ أم صابر حرفا، مشغولة بالرد على تليفونات المرضى، ترد بعبارة لا تتغير: «أيوه جاى.. عَ الساعة سبعة.. ثمانية ونص كده.. مافيش حجز بالتليفون»، يعدل أبو محمد سماعة الأذن ليسمع وشوشة مفاجئة تنغص أصداء صوتها، يضع كوب الشاى صامتا، ويستدير ليصنع كوبا آخر.
قبل عشر سنوات، عزمته هى على أول كوب شاى، كانت قد تجاوزت الخمسين، استلمت عملها منذ يومين فقط، فى الصباح موظفة فى الضرائب، فى المساء «تمورجية»، اهتز المبنى على صوت صرخته التى تعودَت عليها فى ما بعد: «جوووووووووون»، قفزت من مقعدها، عندما دخلت عيادة طبيب الأسنان المجاورة، كان أبو محمد قد بدأ فى التصفيق والرقص منتشيًا، وقفت مبهوتة، بهدلته، طيَّبَ خاطرها، أشار إلى سماعته، قال إنه يدوب بيسمع صوته، يعتقد أنه يهمس بينما هو يصرخ، عزمته على واحد شاى فى عيادتها، ترك لها العدد الجديد من جريدة «أخبار الحوادث»، «عشان تمزمزى فيها براحتك فى البيت.. هاتيها معاكى بكرة».
لم تستطع أن تكمل حادثة واحدة، قالت له فى اليوم التالى إنها التهمت كل الجرائم، بدأ فى اختبارها: «طيب إيه رأيك فى الدكتور اللى كيّس الراجل بعد ما قطّعه حتت.. مجرم ابن الإيه»، اعتذرت بانشغالها فى استقبال المرضى، فى نهاية اليوم، رد عزومة الشاى، وأثنى على ذوقها فى متابعة المسلسلات العربية، «بس الكورة أجمل»، حكى عن زواج صابر وإخوته، عن مهنته قبل المعاش كعرضحالجى أمام قسم الدقى، وعن شقة شبرا التى استأجرها والده بثلاثة جنيهات، فورثها عنه، قالت إنها لم تنتظر المعاش، محمد وإخوته يبتلعون المرتب، والبنات مطلوبة للجواز.
- البطلة اسمها كارينا.. ومش عايزة تتجوز الراجل اللى زى الباب ده.
استغرب أحد المرضى من الهنود فى المسلسل المدبلج، ردت أم صابر غيبة بطلتها الهندية، حكت قصتها للمريض دون أن ترفع رأسها عن الكشكول، سجّلت بيانات مريض جديد، استلمت النقود، تذكرت أن جارها سيعود آخر اليوم ليسألها عن الحادثة، قرأت سطرين هنا، وسطرين هناك، طوت الصحيفة مع دخول الطبيب.
بعد ثلاث ساعات ونصف الساعة، كانت العيادتان دون مريض واحد، غادر الطبيبان، وضعت أم صابر الكشكول فى الدرج، أخرجت خيوط التريكو لتستكمل فى البيت سترة تصنعها لحفيدتها، لم تضرب إبرة منذ أسبوع، وضعتها فى الشنطة السوداء بجوار النظارة، أغلقت التليفزيون، ضبطت الإسدال، أغلقت الأنوار، واتجهت إلى الباب، وفى يدها الجريدة..
_ خلّصت يا ابو صابر..
صرخت عندما اقتربت من عيادته، «بتزعقى ليه.. خلّصت»، يستكمل طقوس الإغلاق اليومية، تسبقه قبل أن يسأل: «حادثة صعبة أوى.. ربنا يرحمهم ويرحمنا»، يطمئن على الكروت، يعدّل هندامه المتواضع، ينزلان معا، عند البسطة الأخيرة يستقبلهما البواب النوبى، يمط شفتيه، ويستدير لاعنا جعفر واليوم الذى وُلد فيه، يهمس أبو صابر: «لو اسمى اتنشر فى حادثة، يبقى اعرفى إنى قتلت جعفر وابوه»، تكرر نفس تعليقها اليومى: «مش عايز يتمسّى ويتهدّ أبدا»، تنعكس صورتهما فى المرآة، ظهران يتمايلان، يدان تتساندان، يودعها أمام محل الحلويات، تسلمه الجريدة، يأخذ طريقه إلى اليمين، وتغيب هى بين العابرين.
عندما نظر إلى الصحيفة، اكتشف أن قعر كوب الشاى قد ترك أثره على خبر الحادثة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.