أزعجني هاشتاج انتشر بالأمس وتم تداوله من قبل بسطاء ومثقفين وساسة يطالب برفع الحظر عن استيراد الدواء من الخارج، والسؤال هنا " هل من أطلق تلك الحملة يعلم أن الدواء المستورد محظور حقًا؟ "، أم أنه أطلقها كمحاولة سياسية منه لاستغلال أوجاع الفقراء والبسطاء من أجل صنع حالة من تهييج الرأي العام على النظام الحاكم؟، وأن غرضه الأساسي ليس إنسانيًا كما يروج مستغلا بعض المتعاطفين فى نشر حملته. الحقيقة المؤكدة يا سادة هي " لا حظر على استيراد الدواء فى مصر "، وهذه حقيقة وليست خدعة أو مناورة سياسية مني، وأن أصل القصة تتلخص فى نقص 1800 صنفًا من الدواء 90% منهم له بديل محلي يحتوى على نفس المادة الفعالة وبنفس نسبة التركيز، لكن " بتاع برة حلو ". هذا يظهر جليًا في جشع بعض الأطباء وعلاقتهم بشركات الأدوية المستوردة وحصولهم على بعض النسب من أجل تسويق هذه الأدوية، كما أن ثقافة المجتمع تحول بين استخدام البديل عن النوع الشائع فى الدواء. من رحمة المولي عز وجل علينا أنه لا يوجد دواء يتم تسجيله إلا فى حالة وجود 9 بدائل له مسجلة فى هيئة الدواء العالمية، ولكن من يطلقون هذه الشائعات لا يعلمون ولا يشعرون. تبقى ما يقرب من 180 صنفًا دوائيًا، لعلاج السرطان وأورام الدم والجلطات والهرومان النسائية وأمراض ما بعد زراعة الكلي والكبد والنفسية والعصبية وأدوية التخدير والإفاقة، وهى أدوية مستوردة لم يتم حظرها، والقصة وما فيها أن الدواء فى مصر هو السلعة الوحيدة المسعرة جبريًا، الشركات أوقفت من تلقاء نفسها الاستيراد بعد تحرير سعر الصرف فى محاولة منها لرفع أسعار الدواء 42%، وهو ما تم رفضه، على الرغم من أن هذه الشركات أيضا كانت تستورد في عز أزمة الدولار وكانت توفر احتياجاتها من النقد الأجنبي من السوق السوداء، فلماذا إذن تطالب برفع الأسعار الآن؟ أصبحنا أمام مشهد عجيب هو أن الشركات ترفض تحمل الخسائر والوزارة هي الأخرى ترفض التحمل عن المرضى. وحل تلك الأزمة يتمثل في أن نجد وسيط جاد يتدخل باستيراد الأدوية دون تحقيق هامش ربح، ومن ثم الحفاظ على نفس مستوى الأسعار، وهو ما قام به الرئيس عبد الفتاح السيسي أمس بعد تكليفه إحدى الشركات الوطنية باستيراد الأدوية بدلا عن الشركات الممتنعة، وتم رصد ما يقرب من 180 ميلون دولار، وهذا رقم جيد يساهم في توفير الأدوية دون نواقص حتى شهر مارس المقبل، وبذلك نكون عبرنا الأزمة والتى ستشهد انفراجة خلال ساعات قليلة، وبعد ذلك سيكون هناك حلا آخر. أما بالنسبة لأزمة نقص المحاليل الطبية فهي ليست جديدة، وبدأت في يوليو 2014 بعد وفاة 4 أطفال في المستشفي العام ببني سويف، وعلى إثرها تم غلق مصنع "المتحدون" بالعاشر من رمضان، وهو أكبر المصانع المنتجة للمحاليل، وحدثت الأزمة من قتها، ومن ذلك التاريخ لم تفكر الحكومة فى إعادة تشغيله بعد تطبيقه المواصفات القياسية، أو إعطاء ترخيص لمستثمر آخر لفتح بديل، أو أن تقوم الدولة بإنشاء خط إنتاج في مصانعها لحل تلك الأزمة. من خلال تلك الأزمة السابقة يتكشف لنا أننا مجموعة من مُدعي الثقافة، والساسة يستغلون أوجاع المواطن لترويجها فى هجوم سياسي على نظام حاكم، وأننا أيضًا أمام حكومة أقل ما يمكن وصفها بأنها "فاشلة"، كان عليها قبل إتخاذ قرارها بتحرير سعر الصرف أن تُؤمن احتياجات الدولة الاستراتيجية من الغذاء والدواء.. فيا أيتها الحكومة سارعي بإنشاء الهيئة العليا للدواء يتولاها صيدلي لديه القدرة على استيعاب احتياجات المرضى، وحل الأزمات المتكررة، والوصول بالدواء إلى سعر عادل، كما أناشد الأطباء بكتابة الدواء للمريض بالمادة الفعالة وليس بالاسم التجاري.