اختفاء الأدوية تهدد حياة مرضى الكبد والهيموفيليا الفشل الكلوي والأورام تحرير سعر الصرف أثر سلبًا على صناعة الدواء.. والصحة لا تملك خطة ورؤية للخروج من الأزمة 95% من مدخلات صناعة الدواء مستوردة من الخارج.. وقرار وقف الاستيراد 3 شهور حكم بالإعدام على المرضى بعد قرارات البنك المركزي تحرير سعر الصرف وتعويم الجنية، تأثرت كافة القطاعات بالدولة، وكان الأكثر تأثيرًا قطاع الصحة والدواء بمصر، وتفجرت الأزمات المتتالية من اختفاء ونقص للعديد من الأصناف في الصيدليات، بل قيام البعض بتحرير سعر الدواء من تلقاء نفسه، وتهديد الشركات بتخفيض إنتاجها حتى يستقر سعر الدولار، وغيرها من المشكلات التي تناولها هذا الحوار مع الدكتور علي عبد الله، رئيس المركز المصري للدراسات الدوائية والإحصاء ومكافحة الإدمان. بداية ما مدى تأثير تحرير سعر الصرف وتعويم الجنيه على صناعة الدواء في مصر؟ الصناعة تأثرت بالقرارات الاقتصادية الأخيرة مثل باقى السلع الاستهلاكية بمصر، ولكنها تأثرت بدرجة أكبر بالسلب؛ لأن الدواء إما يكون مستوردًا في شكله النهائي، أو في شكل مادة خامة أو مستلزمات طبية يتم تصنيعها داخليًّا، حيث إن 95% من مستلزمات الإنتاج تأتي من الخارج. ولأن مدخلات الصناعة مستوردة؛ تتأثر بالدولار. هذا الرقم الكبير كيف يتلاءم مع قرار وقف الاستيراد لمدة 3 شهور؟ وهل لدينا مخزون كافٍ لذلك؟ أعتقد أن وقف الاستيراد فيما يتعلق بالدواء خصوصًا جريمة، فهو قرار مستحيل؛ لأن هناك بعض الأدوية المستوردة التي لا يمكن تصنيعها في مصر؛ نظرًا لاعتمادها على التكنولوجيا العالية، خاصة علاج الأورام وحقن ntrhللحوامل وأدوية السكر، فالأنسولين مثلًا 95% من الاستهلاك المحلي له مستورد، و5% فقط صناعة مصرية. كما أن 70% من هذا الاستيراد تحتكره شركة واحدة دنماركية الجنسية، تغطي السوق المصري بأكمله، ومن ثم هناك مشكلة خطيرة تواجه مرضى السكر حال الاستمرار في وقف الاستيراد، فالمريض الواحد يحتاج من 2 إلى 3 زجاجات أنسولين شهريًّا، وعدد مرضى السكر المعتمد على الأنسولين وصل بمصر إلى مليون ونصف مريض. ولكن تصريحات المسؤولين أكدت أنه يوجد مخزون يكفي لسبعة شهور من الأنسولين وصل لحوالي 3 ملايين زجاجة؟ هذا رقم مخيف في حد ذاته؛ لأنه إحصائيًّا لو حسبنا مليون ونصف مريض يستهلك 3 زجاجات شهريًّا، فالناتج يكون 3 ل 4 ملايين زجاجة شهريًّا. أما الكمية التي أعلنتها وزارة الصحة فتكفي شهرًا واحدًا فقط لمرضى السكر. ما هي الأصناف ألأخرى التي تواجه أزمة بعد تحرير سعر الصرف ويشكل نقصانها خطورة على حياة المريض؟ مرخص في سجلات وزارة الصحة 14 ألف صنف، ولكن تعاملات الصيدليات لا تصل لهذا الرقم؛ نظرًا لضعف اقتصادياتها، فضلًا عما وقف تصنيعه وإلغاؤه، ولكن هناك عدد من الأصناف الإقبال عليه عالٍ ومنتظم. وهذه الأدوية منها ما يمثل خطورة حقيقية، فهناك أدوية وحيدة عالميًّا يتم استيرادها من الخارج فقط، مثل حقنة ntrhالتي تصنعها شركة "جونسون"، ولا تستطيع مصر تصنيعها محليًّا، ودواء "الجومين" لأمراض الكبد، وأدوية معاملات تجلطات الدم لمرضى الهيموفيليا، وحقن منع الجلطات، وهى مستوردة لا يمكن الاستعانة ببديل عنها، فلا يمكن الصبر على نقصها أو غيابها؛ لذا يجب أن تكون هناك خطة عاجلة من الدولة لتعويضها بشكل سريع وتوفيرها للمرضى المصريين، أيًّا كان ثمنها، وأن تتخذ وزارة الصحة إجراءات لاستيرادها لا تعطيلها، عبر إفراج جمركي سريع على سبيل المثال. كم صنفًا تقريبًا يمكن حصره؟ كل الأصناف سوف يطالها التأثير. أما الأصناف ذات الخطورة ففي حدود 250 صنفًا. نحن أمام مشكلة حقيقية لاختفاء المحاليل والأدوية الحيوية للأمراض الخطيرة، مثل أدوية الهيموفيليا، والقلب، ومانع الجلطات، وأدوية التخدير في العمليات الجراحية، وأدوية الفشل الكلوي، وأدوية خاصة بالكبد، والكارثة أننا ننظر دائما لمشكلات الدواء بنظام الترقيع، تظهر مشكلة المحاليل، فنبحث عن حلها، ثم تتوالى مشكلات الأنسولين، وهكذا. يجب أن نواجه أزمة صناعة الدواء في مصر بصفة عامة. كيف ترى تصريح غرفة صناعة الدواء بأن قرار تحرير سعر الصرف "إصلاحي"؟ إصلاحي من أي منظور؟! الغرفة تعاملت مع الأزمة الأخيرة بتصريحات متضاربة، تصف القرار بالإصلاحي، وفي ذات الوقت تعلن أن أسعار الدواء المستورد سوف تزيد 40%، ثم تطالب بسرعة تحريك سعر الدواء. ألا ترى أن تعويم الدواء سوف يطحن الطبقات الفقيرة؟ الربط بين تحريك سعر الدواء وتحرير سعر الصرف نظام معمول في دول أخرى، وقرار مهم ولا بديل عنه، ولكن يحتاج أن يتم بطريقة مدروسة وليست عشوائية، وأن تضع الدولة نظام تسعيرة عادلًا وعاجلًا، يوازن بين سعر التكلفة والسعر للجمهور، وأن يكون عادلًا أيضًا بألا تكون هناك تفرقة بين شركة وأخرى، فمثلًا شركات قطاع الأعمال المصرية يحدث لها جمود في التسعير ، في حين يتم تحريك السعر لشركات أخرى مرة واثنتين في فترة زمنية أقل، ومن ثم على وزارة الصحة تدشين نظام محدد لتحريك سعر الدواء بشفافية؛ لأنه بدون التحريك سوف تغلق شركات الأدوية أبوابها. ولكن ماذا عن المواطنين غير القادرين الذين سوف يتضررون؟ هنا يكمن دور الدولة في رعايتهم، فهناك مرضى فقراء يموتون في صمت، ومن ثم عليها أن تخلق لهم مظلة تكافلية اجتماعية تشملهم عند أي مخاطر، مثل تأمين صحي شامل أو قرارات للعلاج والدواء على نفقة الدولة مثلًا. كيف تقيم أداء وزارة الصحة مع أزمة الأدوية؟ أداء وزارة الصحة كان خارج نطاق الخدمة؛ فالوزارة لم تمتلك أي رؤية أو خطة للأزمة الحالية أو توقُّع لما سيحدث مستقبلًا، وأكبر دليل هو عجز الدولة حتى الآن عن حل مشكلات نقص المحاليل والألبان والأنسولين. في رأيك لماذا وصلت أزمة المحاليل والألبان لهذه النقطة؟ الأزمة تعود لغياب الرؤية أيضًا، فالدولة كانت تمتلك مصنعًا محليًّا للألبان، وعندما حدث خطأ في "التشغيلة"، بدلًا من أن تطبق الوزارة ما هو متبع عالميًّا مع هذه الحالة، من إعطاء ملاحظات للمصنع وإعادته للإنتاج، قامت الوزارة بإغلاق المصنع ولم يكن هناك بديل! نفس الأسلوب اتبعته الدولة مع مصنع المحاليل؛ حيث كان يغطي 60% من المحاليل للسوق، وأيضًا قامت الوزارة بغلقه دون التفكير في أي موارد بديلة. واليوم لدينا أزمة عملة، وكما ذكرت بإن الأنسولين 95% منه مستورد، فماذا لو سحبته الشركة الدنماركية من السوق المصري؟ ليست لدينا أي خطط بديلة. وماذا عن تصريحات شركات الأدوية بتخفيض إنتاجها ل 40 %؟ هذه كارثة لو تمت. فوفقًا لتقرير رسمي عن وزارة الصحة في 2018 سيتراجع تصنيعنا المحلي ل 56 %، لذا نحن مهددون بألا نمتلك دواء خلال عام، فكيف تخفض هذه الشركات من إنتاجها؟! هل هناك روشتة للخروج من هذا النفق المظلم؟ الحلول تأتي على عدة مستويات، أولها ضرورة اعتراف الدولة بأننا أمام وضع دوائي مقلق، ويحتاج إلى حلول غير تقليدية، من خلال سد العجز في الأدوية التي لا يمكن الاستغناء عنها، وبالتالي الدولة لا بد أن تضحي، وأن تقوم بتحريك فوري لأسعارها، وتغطية ذلك بنظام تكافل وتأيمني للمواطن غير القادر. أما المدى المتوسط فيقع على عاتق مصانع الأدوية التي يجب أن تتحمل لفترة هذه الظروف الاستثنائية للدولة، حتى يستقر سعر الدولار، وثالثًا محور الطبيب والصيدلي والمريض، حيث يجب أن يدرس الطبيب السوق وما هو متاح من أدوية، ويراعى ظروف المريض المادية والاجتماعية، ويكتب له دواء صناعة محلية من البدائل المتاحة، وليس ضروريًّا المستورد. أما الصيدلي فعليه تثقيف الأطباء والمرضى بالأدوية البديلة والصناعة المحلية، وهو نفس الشيء الذى يجب أن يقتنع به المرضى. وأخيرًا على المدى البعيد يجب اهتمام الدولة بالبحث العلمي، وتطوير الصناعة المحلية للدواء، والتوسع الأفقي والرأسي، حيث نمتلك أكثر من 200 نوع نباتي، و60 صنفًا نباتيًّا بسيناء لا يوجد له مثيل في العالم. يجب استخلاص المادة الفعالة منه وإدخالها في صناعة الدواء. وهل الحكومة تدرك أهمية سرعة بلورة مثل هذه الأفكار للخروج من الأزمة؟ ليس لدينا وقت أو رفاهية. نحن مهددون بفقد السيطرة والسيادة على صناعة الدواء، سواء في مصر أو على مستوى الدول النامية؛ لأننا أمام تحديات عالمية وإقليمية ومحلية وشركات عالمية تتكتل ضد صناعة الدواء بمصر، برؤوس أموال عملاقة؛ لتحقيق مزيد من الاحتكار؛ حتى تكون سيدة العالم في صناعة الدواء على حساب الشركات المحلية.