سنة مرت منذ آخر مرة تكلمنا فيها سويًّا، ومنذ آخر مرة رأيت فيها تلك الابتسامة الصغيرة الغامضة على وجهك، هل تذكرى عندما سألتك في صغري (لماذا كل الناس لا تشبه بعضها ؟ وجه واحد جميل لكل النساء ووجه واحد بشوش لكل الرجال)، وأجبتينى أن حدث هذا سيكون عقاب و ظلم شديد، وربنا عادل لم يخلق الظلم .. مازلت دائمًا أذكر إجاباتك على كل أسئلتى الغريبة!. عندى معها رصيد كبير من الذكريات التي تجمعنا سويًّا، أستمد منه طاقة إيجابية كلما أحتاجها، تدفعني للأمام وترسم الابتسامة على وجهى كلما أحاط بى سواد سياج جدران الحياة. رسالة حاضرة أعرف أننا نسكن في مكانين مختلفين وأن الطمع فى رؤيتك ليس من الممكن لكنها الوحشة. (وحشتنى كلمة ماما)، حتى إنها أصبحت غريبة على أذنى الآن، وحشتنى رائحتك الأنيقة الدافئة المميزة، أشتاق إلى رمي رأسي على صدرك، وإلى قبلتك الدافئة على جبيني عندما كانت تنصفنى الظروف ونتقابل لأى سبب.
مكالمتك لى فى تمام منتصف الليل يوم عيد ميلادى، أتذكرين عندما كنت أفاجئك وأغمض عينيك بيديّ ثم أسألك: "من أنا؟" ... لأن صوتى أنا وأختى متشابهان إلى حد كبير حتى الآن لايميزه أحد. في غيابك كل شيء –عادى - على حاله لم يتغير. أحارب الحياة وتحاربنى، فمرة أكسب ومرات أخسر، وفي كل الحالات أبحث عن وجهك البشوش بين الوجوه الكثيرة التي حولى تهنئني بفوزى، أو تعزينى بخسارتى، أو تنصحنى، فلا أجده! ولم أعتد ذلك. أصبحت أفرح بغصة أو أحزن بمبالغة، وأذكر كيف كنت أستمد من عينيك الجميلتين ووجهك البشوش شعور الأمان والسند الذي يعينني في تحديات حياتي، اكتشفت أنى تعلمت منك الكثير، حتى ما كنا نتجادل بشأنه، أو لم يعجبنى، أصبح يقذف إلى ذهنى بقوة فى كل مرة أصادف تجربة تذكرنى به هذا الشعور الذي فقدته منذ زمن أشعر أنه بالأمس. كنت أنشغل عن مهاتفتك يوميًّا، أجادلك، وأختلف معك بإصرار وعند، أرفض الإجابة على الكثير من استفساراتك وأسألتك، الآن أكتب إليك برهبة ورعشة لم أعهدها من قبل.. صعبة هى الكتابة إلى الأرواح. مازلت أذكر تلك التجاعيد الرقيقة التي تظهر حول عينيك، وكانت تقلقك كلما ابتسمت وأنت بيننا ومجتمعين جميعًا فى الماضى. أُسابق إخواتي الصغار فى حبك بدون أن أتحدث عنه مطلقًا، فأنا بطبيعتى أنظر دائمًا إلى الأفعال، وأنت تعلمى ذلك، سمعتك مرة تتحدثى عنى مع أحد صديقاتك تلفونيًّا وأخفيت نفسى .. مازالت تقاسيم وجهك المرهق من سباق الحياة، ذلك الوجه الذي كان شمسًا تضيء لنا الطريق وتملأها دفئًا، ولم نكن نهتم، أو نلاحظ. أعترف أننا جميعًا كنا مقصرين، فقط اصطدمنا بغيابك، لم نتحدث عن الموت أبدًا، لم نفكر فيه مطلقًا، لم نتحدث عن الفراغ العميق البارد بحجم هذه السموات، لم نتحدث كيف استطاعت مواصلة عطائها حتى اللحظة الأخيرة، كيف استطاعت الحفاظ على توازنها والاحتفاظ بجمالها وهدوئها بدون وقود ..رحلت دون أن تخبر أحدًا. حتى بعد رحيلك عن الدنيا فذكراك في قلبي هي عهد سيبقى دون نقض، لذلك أنا لا أوجه رسالتى إلى غائب.