يواصل «تيار الثقافة الوطنية» ومجموعة من المثقفين المستقلين، تصعيد موقفهم المناهض لما يرونه فسادا واسعا في وزارة الثقافة. فبعد البيان شديد اللهجة الذي صدر قبل عدة أيام، والذي طالبت فيه هذه المجموعة بإقالة وزير الثقافة ومحاكمته مع رموز وزارته، بدأت الخطوات الجادة للإعداد لمذكرة تفصيلية، سترفع لرئيس الجمهورية المؤقت المستشار عدلي منصور وكذلك لرئيس الوزراء الدكتور حازم الببلاوي. وبحسب الناقد الأدبي الدكتور يسري عبد الله، وهو حد أبرز مؤسسي "تيار الثقافة الوطنية"، فإن هذه المذكرة ترصد أوضاع إدارات وهيئات الوزارة وأداء وزيرها الدكتور محمد صابر عرب، وتعرض لمخالفات مسئولي الوزارة والتي لا تتلاءم وطموحات مصر ومثقفيها عقب ثورة الثلاثين من يونيو، بداية من ممارسات الوزير منذ توليه المسئولية في الحكومة الجديدة وفي حكومتين سابقتين جمعت بين المجلس العسكري ثم نظام حكم الإخوان المسلمين. وصرح الشاعر محمود قرني، أحد الموقعين على البيان، بأن اتساع دائرة معارضي الوزير وسياسته لم يكن مرجعه الوحيد «مساخر» ما أطلق عليه «مؤتمر المثقفين»، فالوزارة الآن تقع بين فكي كماشة، الفك الأول تشكله مجموعات النظام القديم التي عادت للسيطرة على كثير من مواقع الوزارة، وهي مجموعة تعادي كل التيارات الطليعية في الفكر والإبداع والتشكيل وكافة الفنون، ومع الوقت أنشأت جماعات مصالح داخل الوزارة أصبح من الصعب تفكيكها. وقال الشاعر محمود قرني أن الفك الثاني يمثله من يسمون أنفسهم «رجال الاعتصام»، وهذه مجموعة حققت مصالح ضخمة من علاقتها بالوزارة منذ عصر مبارك وفاروق حسني، لكن أخطر ما يحدث الآن أن هذه المجموعة تدفع باتجاه تفكيك الوزارة وبيع مؤسساتها. ومن جانبه أكد الدكتور يسري عبد الله أن «تيار الثقافة الوطنية» تلقى تأييدا واسعا وأوجد حالة من الجدل الخلاق نرجو أن تحرك المياه الراكدة. وأضاف أن التيار يتعاطى مع الثقافة المصرية بوصفها قوة ناعمة حقيقية قادرة على تشكيل الوعي المصري عبر الانحياز المطلق لكل قيم التقدم والحداثة والاستنارة والابداع ومجابهة القوى الظلامية التي تريد اغتيال أنبل ما في هذا الوطن وهو هويته الحضارية وتنوعه الخلاق. وأوضح أن المجابهة تحتاج إلى نخب تؤمن بثورتي يناير ويونيو، وليست تلك النخب التي اقتاتت على كل الموائد وصنعت تحالفا مشبوها ما بين الفساد والرجعية. وقال عبدالله، الذي يعمل أستاذ الأدب الحديث والنقد بجامعة حلوان، إن المشهد الثقافي الراهن يعاني من عوار يمكن تلمسه في ذلك الأداء الباهت لوزارة الثقافة في المعركة ضد المتطرفين والإرهابيين. وأضاف عبد الله تعليقا على مؤتمر «ثقافة مصر في المواجهة»، أن ما حدث يؤكد أن الثقافة لا تزال تحيا في ظل أجواء كرنفالية، تسعى إلى «الشو» الإعلامي أكثر مما تسعى إلى تخليق عالم أكثر حرية وجمالا وإنسانية. وأشار إلى أنه في هذا السياق يغيب الصوت الثقافي الرسمي تماما عن واقع المصريين، مثلما غاب من قبل مرارا وتكرارا، فلم نر مثلا- قوافل ثقافية تخرج إلى القرى والنجوع والكفور المصرية، لتروي عطش الظامئين إلى ثقافة مختلفة ومتجددة، ترفع- وباختصار- حال العتامة التي خلفتها التيارات المتأسلمة برجعيتها وتخلفها المزري، فالسياسات الثقافية لم تزل كما هي، والوجوه الرسمية شاخت في مواقعها بوصفها تملك حضورا سرمديا عابرا للأزمنة.