أوباما يلغى جولته الآسيوية.. والخارجية الأمريكية: عدم وجود تمويل لعملية حفظ السلام فى سيناء المواجهة السياسية الشرسة ما زالت مستمرة. والشلل الذى أصاب الجهاز الحكومى يزداد حدة وحجمًا. والرئيس أوباما قرر إلغاء جولته الآسيوية والتركيز على إيجاد مخرج للأزمة القائمة. وقد ذكر أن هناك جهودًا حثيثة تبذل لتحقيق توافق للخروج من الأزمة قبل استفحالها. وإن كان الأفق ما زال «لا يبشر بخير حتى الآن» فى ظل المواجهة واللوم المتبادل والاستقطاب الحاد. رغم أن الكل يتحدث عن ضرورة وأهمية التمسك بالحكمة حتى لا تحدث الكارثة. وكشفت صحيفة «نيويورك تايمز» فى تقرير مفصل لها أمس أن البيت الأبيض قام بتسريح 1265 من مجموع 1701 من العاملين بالبيت الأبيض، وفى إدارة أوباما التنفيذية بالمقر الرئاسى. منهم 90 من العاملين بمقر إقامة الرئيس. بتوصيف آخر لم يبق إلا 436 موظفًا يمثلون 25.6 فى المئة من مجموع العاملين بالبيت الأبيض. الخارجية الأمريكية وهى تتحدث وتحذر من تداعيات عدم التوصل إلى اتفاق أشارت إلى عدم وجود أموال لتمويل عملية حفظ السلام فى سيناء. كما أنها كررت على لسان مارى هارف نائبة المتحدثة باسمها عدم إقرار ووجود أموال للمساعدات المقدمة لإسرائيل، إلا أن هارف، وردا على سؤال طرحته «التحرير» حول حجم الأموال المخصصة لتمويل عملية حفظ السلام فى سيناء، اكتفت بالقول: «ليس لدى أرقام محددة فى هذا الأمر». وقد بدأت الخارجية فى اليومين الأخيرين التحدث عن تداعيات الإغلاق وعدم التوصل إلى اتفاق بشأن الميزانية، إلا أنها تفادت الحديث بالأرقام المحددة عن المشروعات المعلقة والنشاطات الموقوفة، وأيضا عن من تم تسريحهم من العاملين بها. وكانت بعض التقارير الأولية مع بدء الإغلاق قد تحدثت عن احتمال الاستغناء والتسريح لنحو 800 ألف من العاملين بالجهات الحكومية. وكان الرئيس أوباما وفى خطوة مفاجئة قد قام بإلغاء جولته الآسيوية برمتها. وذكر بيان صادر عن جاى كارنى المتحدث باسم البيت الأبيض ليلة الخميس أنه بسبب الإغلاق الحكومى فإن رحلة الرئيس إلى إندونيسيا وبروناى قد تم إلغاؤها. وأن الرئيس اتخذ هذا القرار بناءً على صعوبة التحرك قدمًا بما كان مقررًا من قبل والقيام برحلة خارجية فى وقت إغلاق حكومى وإصرار الرئيس على الاستمرار فى الضغط على الجمهوريين بأنهم يجب أن يسمحوا فورًا بإجراء تصويت (بإقرار الميزانية) لإعادة فتح الحكومة وعودتها للعمل. وكان البيت الأبيض قد أعلن من قبل أن أوباما لن يزور ماليزيا والفلبين خلال جولته الآسيوية التى كان من المقرر أن تشمل أربع دول. وقد أجرى أوباما اتصالات هاتفية مع زعماء تلك الدول لإبلاغهم بما حدث من تغيير فى خطته لزيارة بلادهم والالتقاء بهم. فى حين حذرت كريستين لاجارد مديرة صندوق النقد من تداعيات ما يحدث وما قد يحدث مستقبلًا فى واشنطن. وطالبت فى كلمة ألقتها بجامعة «جورج واشنطن»الولاياتالمتحدة بأن تعمل من أجل رفع سقف الديون. وبعد أن وصفت لاجارد الإغلاق الحكومى الأمريكى بأنه «أمر سيئ» قالت إن الإخفاق فى رفع سقف الديون «سيكون أمرًا أسوأ»، وقد يلحق أضرارًا بالغة ليس فقط بالاقتصاد الأمريكى بل أيضا بالاقتصاد العالمى. وجدير بالذكر أن هذا الأمر (رفع سقف الدين) يجب أن يحسم قبل 17 أكتوبر الجارى. وقد جاءت حادثة مطاردة السيارة السوداء فى الشوارع المجاورة لمبنى الكونجرس لتشغل اهتمام شبكات التليفزيون لعدة ساعات مساء الخميس. تلك المطاردة التى انتهت بمقتل السيدة التى أثارت الشكوك بعد محاولتها اقتحام حاجز بجوار البيت الأبيض ثم ذهابها إلى الكونجرس. وقيل فى ما بعد إن السيدة لم تكن تحمل السلاح. وإن طلقات النار التى سمعها من كانوا فى المنطقة انطلقت من مسدسات الأمن فقط. ويذكر أن طفلًا صغيرًا وجد فى السيارة. ولم يتم بعد تحديد ظروف وملابسات الحادثة. وإن كان وقوع الحادثة أدى إلى التنبيه بأن هؤلاء من رجال أمن الكونجرس كانوا يقومون بواجبهم وهم يعرفون بأنهم لا يتقاضون مرتباتهم إلا بعد انتهاء الإغلاق الحكومى. وفى لفتة غريبة وسط الأجواء المتوترة اتفق طرفا الصراع السياسى الدائر من خلال ممثليهم فى الكونجرس على الإشادة بهؤلاء الرجال وتوجيه التحية لتفانيهم فى العمل واستعدادهم للتضحية على الرغم من تأثرهم ودفعهم ثمن الخلاف الدائر. وتباينت التقديرات حول تكلفة الإغلاق الحكومى. فحسب مكتب البيت الأبيض للإدارة والموازنة فإن تكلفة آخر إغلاقين شهدتهما واشنطن خلال عامين 1995 و1996 قدرت بنحو 1.4 مليار دولار على مدى 26 يومًا. وأن هذا الرقم بتقديرات اليوم يصل إلى 2.1 مليار دولار. وذكر أيضا أن رقم «خسارة» الاقتصاد بسبب الإغلاق الحالى قد يصل إلى 300 مليون دولار يوميًّا. وبينما يستمر الشلل الحكومى فى واشنطن ازداد الغضب لدى الشعب الأمريكى تجاه ما يمكن تسميته ب«ألاعيب السياسة»، وما يفعله أو لا يفعله السياسيون فى عاصمة القرار الأمريكى. وقد أظهر استطلاع للرأى أجرته شبكة «سى بى إس نيوز» أن 87 من الأمريكيين أعربوا عن عدم رضاهم عن الطريق الذى تسلكه واشنطن، وأن 43 فى المئة منهم قالوا إنهم بالفعل «غاضبون» بسبب ما يحدث. وبين الاستطلاع أيضا التشاؤم الذى أصاب الأمريكيين فى الأيام الأخيرة، إذ إن 75 فى المئة منهم قالوا إنهم يعتقدون بأن الإغلاق ستكون له عواقب على الاقتصاد وأسواق المال. ولا يتردد المراقبون فى وصف ما حدث من «اضطراب» و«تدهور» فى المزاج العام الأمريكى، خصوصًا أن مثل هذه الأزمات إذا طالت لبعض الوقت لها تداعيات متتالية على كل أوجه الحياة اليومية للمواطن الأمريكى، إن عاجلًا أو آجلًا. الأزمة الأمريكية مستمرة والشلل السياسى يقلق الجميع سواء فى أمريكا وخارجها. والكل يتساءل: ترى متى ستنتصر الحكمة وتكون لها الغلبة؟