عندما كنت أشاهد مدام سميرة أحمد فى التليفزيون وهى تجسِّد دور السيدة «الكُمَّل» بضم الكاف وفتح الميم، المعصومة من الخطأ، كنت أتخيلها قبل التصوير وهى بتلزق الأجنحة على أكتافها وأقعد أضحك على هذه الأجواء الملائكية وتلك المثالية الخزعبلية وأنا باسأل نفسى وكل اللى حواليا: «هو فى كده؟!». حتى التقيتُ أم محمود وتعرفتُ عليها، وتحدثتُ معها عن قُرب، وقتها فقط تأكدت أنه «آه فى كده»، وأن مثالية سميرة أحمد لم تكن خزعبلية ولا حاجة، وأجنحتها ليست بلاستيكية فى كل الأوقات فأحيانا ما تكون تلك الأجنحة موجودة بالفعل على أكتاف البعض ممن لم يمنحنا القَدَر فرصة الالتقاء معهم بعد. أم محمود سيدة، فى منتصف الأربعينيات من عمرها، سمراء البشرة، التكشيرة لم ترتسم يوما على وجهها رغم الهموم التى لا تنتهى، أو على الأقل لم يلمحها المقربون منها، تتمتع بحس ساخر وخفة ظل مبالغ فيها، لديها أربعة أبناء، تعيش مع ثلاثة منهم «حسن وآية ومحمود» بعد زواج الابنة الكبرى فى سن صغيرة. تعمل أم محمود صباحًا فى إحدى الهيئات الحكومية، وفى المساء تشرف على أمن إحدى العمارات، باختصار «بوَّابة» تسكن فى إحدى شقق العمارة مع زوجها وأولادها الثلاثة. كل من فى المنطقة يتعاملون معها باعتبارها نجمة الشارع، فلا طعم لأى حاجة بتحصل فى غيابها، حتى وإن كان لمَّة حلوة على الرصيف للحديث عن اللى بيحصل فى البلد. لكن كل اللى فات ده حمادة وطريقة تعامل أم محمود مع سكان العمارة ده حمادة تانى خالص، هذا ساكن «لاسع» بيتعصب على الفاضى والمليان، تعرف أم محمود كيف تتعامل مع عصبيته جيدا، وهذا ساكن كِشَرى «بكسر الكاف نسبة إلى التكشيرة وليس بضمّها نسبة إلى الكُشرى» ضارب البوز 24 ساعة، إلا فى تلك اللحظات التى يقابلها فيها على سلالم العمارة وهو طالع أو وهو نازل. أما هذا فمريض لا يمكنه الحركة، تتعامل معه أم محمود كابنة بارَّة، لا تتركه وحيدا، تضبط منبه الموبايل على الساعة 2 بالليل لكى تطمئن عليه وتتأكد «خَد الدوا ولّا لأ»، تعلِّم أبناءها كيف يكونون مثلها: «حسن ماتسيبش عمك لوحده، وانت يا محمود اطلع شوفه لو محتاج حاجة روح اشتريهاله». وفى نهاية اليوم تصعد هى لتضع «التاتش» بتاعها وتجعله يفعلها ويبتسم لأول مرة منذ بداية النهار، ولو فكّر مجرد تفكير يمد إيده فى جيبه ويعطيها ما يكفيها لشراء إزازة زيت أو سمنة ربما لا تجدها إلا بطلوع الروح، تنفعل متهمة إياه بأنه عايز يدفع تمن جدعنتها معاه.. إنها أم محمود الوحيدة التى جعلتنى أتقبّل وجود أجنحة الأستاذة سميرة أحمد، على أكتافها طوال ال30 حلقة، وأتفهم وجودها، لكنّ هذا لا يعنى أبدا أننى ممكن أتابع مسلسلاتها. أنا ممكن أتفهم اللى بتعمله آه، إنما أتفرج عليها وهى بترفرف بجناحاتها على مدار ال30 حلقة؟! ده لا أم محمود ولا أمى أنا شخصيا قادرة على إقناعى بأنى ممكن أعمل كده.