قَتْل قَاتلِ الجنودِ فرض عَين ولا إثم على من قتل المُهاجِم. وصل إلى موقعنا على الإنترنت سؤال من الأستاذ محمد السوراكة يسأل فيه عن الحكم الشرعى لمدِّعى الجهاد جماعات الإرهاب قاتلى الجنود فى سيناء، وكل أنحاء مصر، ممن يسهرون على حراسة الوطن، كما يَسأل عن حُكم من قام من الجنود والضباط بالرد على الهجوم وقَتَلَ المُهاجِم، طالبًا منا الرأى والفتوى والحكم الشرعى لهذه الأعمال الإجرامية الإرهابية؟ وللرد على هذا السؤال بعون الله وإرشاده ودعمًا من رسله وأنبيائه، وسعيًا لإحقاق الحق وبيان قضائه، بعد أن زاد الشر وعمَّ فساده نوضح أن السؤال من شقين، الشق الأول خاصّ بحكم قاتلى الجنود والضباط، والشق الثانى مَن قام مِن الجنود والضباط بالدفاع عن النفس والمال ضد المهاجمين مما أدى إلى قتلهم، فكلٌّ منهم لهُ حُكمهُ الشرعى: لذا نقول بدايةً إن الإسلام قد عَظَّمَ عمل وأجر الجنود، وكل من يقوم ويسهر على حراسة البشر والحجر والمال، فهو عَمَل من أعظم الأعمَال قد عَظَّمَته كل الأديان، لأن به يتحقق الأمن والاستقرار، ثم يتحقق العدل والأمان، فتَعمُرَ الأرض ونعبد الله بسلام. لذا وجدنا الرسول صلى الله عليه وسلم يُعظّم من شأن مَن يقوم على الحراسة كما ورد عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «عينان لا تمسهما النار، عين بَكَت من خشية الله، وعين باتت تحرس فى سبيل الله». رواه الترمذى، كما بيّن أيضا الرسول فضل عمل الحراسة التى يقوم بها الضباط والجنود كما ورد فى حديث الصحابى عثمان بن عفان رضى الله عنه، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: «حرس ليلة فى سبيل الله، أفضل من ألف ليلة، قيام ليلها، وصيام نهارها». رواه ابن سنجر. أيضا خصَّ الرسول (صلى الله عليه وسلم) جنود مصر، ووصفهم بأنهم خير أجناد الأرض، كما ورد فى خطبة طويلة لعمرو بن العاص (رضى الله عنه)، خطبها فى أهل مصر، فكان مما قال لهم: حدّثنى عمر أمير المؤمنين أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا فَتَحَ الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندًا كثيفًا، فذلك الجند خير أجناد الأرض». فقال له أبو بكر: «ولمَ ذلك يا رسول الله؟» قال: «لأنهم فى رباط إلى يوم القيامة»، أخرج هذه الخطبة ابن عبد الحكم (ت257 ه) فى «فتوح مصر» (ص 189)، والدارقطنى فى «المؤتلف والمختلف» (2/1003)، ومن طريقه ابن عساكر فى «تاريخ دمشق» (46/162)، وأخرجها ابن زولاق الحسن بن إبراهيم الليثى (ت 387 ه) فى «فضائل مصر» (ص 83)، وعزاه المقريزى فى «إمتاع الأسماع» (14/185) لابن يونس. كما أن القرآن أعلن صراحة أن مصر آمنة فى سورة يوسف «آية 99» بقوله تعالى (ادخلوا مِصرَ إن شاءَ اللهُ آمِنيِنَ) وهو ما يعنى أن مَن يهدد أمن مصر، هو خارج عن وعلى شرع وإرادة الله. كما انتصرت الإرادة الإلهية للجنود فى سورة الصافات «آية 173» بقوله تعالى «وَإنَّ جُندنا لهُمُ الغَالِبوُنَ». أيضا أكدت سورة الفتح «آية 4» أن الجنود هم لله فى قوله تعالى «هو الذى أنزل السكينةَ فى قُلوُبِ المؤمنينَ ليزدادوا إيمانًا مع إيمانهِم وللهِ جنوُدُ السماواتِ والأرضِ وكان الله عليمًا حكيمًا» مما يعنى أن الجنود هم جنود الله من الملائكة ومن البشر، جعلهم حراسا لخلقه من كل جبارٍ أو إرهابىّ زنيم يتسربل بغطاء الدين والجهاد وهو من أهل الشياطين أى عدو لله، والنبى خصيمهُ يومَ الدين لأنهم يدّعون الجهاد وهم كاذبون ولشرع الله جاحدون جاهلون، وقد رأينا مَن يسمّون أنفسهم جماعة بيت المقدس وهم يقومون بعمليات انتحارية فى سيناء وفى القاهرة ضد الجنود والضباط، فهل بيت المقدس انتقل من فلسطين إلى مصر أيها المجرمون؟ فأنتم مَن ينطبق عليه قوله تعالى «وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ» (يس 59) وقوله تعالى فى «التوبة 66»: «لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعفُ عن طائِفةٍ مِنكُم نُعَذِّب طائفة بأنهم كانوا مُجرمِينَ»، لذا نحن نفتى بقلبٍ مطمئن صادق مع الله والنَّفسِ، بأن قَتل قاتل الجنود فرض عين على كل مسلم، لأن فعله وجرمه هو من أكبر الكبائر لخروجه على الشرع، وفساده فى الأرض، كما أن من يقوم من الجنود والضباط بصدّ العدوان والهجوم الذى يقعُ عليه، لا إثم عليه، حتى لو أدى هذا العمل إلى قتل المهاجم، ولا عبرة بما كان يحمله المهاجم من سلاح خطير أو بسيط، لأن الهجوم فى ذاته يتوقع منه، ووارد كل الأخطار، ومنها الموت، فيكون للجندى أو الضابط الحق فى الدفاع عن نفسه، وعن الآخرين المكلَّف بحراستهم، والأموال العامة والخاصة بصفتهِ حارسا عليها ولا ينتظر النتيجة، وأيضا لأن المُهاجم هو من اختار لنفسه المدفوعة بالشر هذا الطريق وهذه النهاية، فلا إثم على الجندى أو الضابط. وعلى الله قصد السبيل وابتغاء رضاه. الشيخ د.مصطفى راشد، عالم أزهرى وأستاذ للشريعة الإسلامية.