في لحظة عصيبة من عمر الرياضة المصرية..وقبل أن تدخل جماهير الكرة معترك المواجهة المرتقبة التي ظهرت بوادرها المخيفة خلال الأيام الماضية ويخشي الجميع تداعياتها بعد حكم محكمة الجنايات في قضية بورسعيد الشهيرة .. يقدم العالم الجليل الدكتور أحمد محمود كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر مقالا يتحدث فيه عن الأسانيد الشرعية من القرآن والسنة للأخلاقيات الرياضية ..في هذا المقال : * بدأت الأعمال الرياضية في الحضارة الإسلامية عملاً دينياً يتقرب من يقوم به إلي الله –عز وجل- من الفروسية والسباحة والسباق والمبارزة بغرض الدفاع عن الأرض والعرض والنفس والنفيس ، ووسيلة للترويح عن النفس ، ثم تحولت إلي حرفة لها أصولها وشروطها وأخلاقياتها المكتوبة وغير المكتوبة وصارت في بعض الأحوال وظيفة ووسيلة للكسب والسعي علي المعاش. والألعاب الرياضية –في الجملة- مشروعة ، حكمها التكليفي الشرعي "مباحة" ، وقد تكون مندوبة إذا قصد بها تقوية البدن والتأهل للجندية وحماية البلاد ونفع العباد. * والأدلة الشرعية قاضية أن الأعمال الرياضية حلال، قال الله –عز وجل- "...ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم.." –الأية157 سورة الأعراف- وقال رسول الله –صلي الله عليه وسلم- "المؤمن القوي خير وأحل إلي الله من المؤمن الضعيف وفي كل الخير..." –صحيح مسلم-، ويفصله –صلي الله صلي الله عليه وسلم- من ممارسة بعض أنواع السباق والمصارعة والرمي –سنن أبي داود 3/29، سنن الترمذي رقم 1785، وإقراره المبارزة صحيح مسلم 4/2107، وممارسة الصحبة –رضي الله عنهم- ما سلف ذكره والسباحة وركوب الخيل. ومشاهدة الأعمال الرياضية بغرض الترويح عن النفس مشروعة ومباحة ودليلها إذنه وإقراره –صلي الله علية وسلم- للسيدة عائشة –رضي الله عنها- مشاهدة الأحباش وهم يلعبون بالحراب في مسجده –صحيح مسلمو-. * ويجب في الأعمال الرياضية التزام آداب وضوابط منها:- أولاً : تجنب إلحاق الضرر بالنفس (وتحريم ذلك واضح ،قال الله –عز وجل- "ولا تقوا بأيديكم إلي التهلكة" 195 سورة البقرة "ولا تقتلوا أنفسكم" 29 سورة النساء) وقال رسول الله –صلي الله عليه وسلم- "لا ضرر ولا ضرار" –موطأ مالك 2/745. فيحرم الإقدام علي رياضية عنيفة دوت تدريب واستعداد ملائم ، وتناول ما يلحق أضراراً بالبدن. ثانياً : تجنب إيذاء الغير أ- ممارس الرياضة "يحرم علية تعمد إيذاء الغير كمنافس بأي نوع من الإيذاء الفعلي أو ألقولي سواء بالمباشرة أو التسبب لعموم (إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام) –أخرجه أصحاب السنن-، سواء كان الإيذاء باليد أو اللسان، قال رسول الله –صلي الله عليه وسلم- "المسلم من سلم من لسانه ويده...." –أخرجه البخاري-، ويحرم إيذاء غير المسلم لحديث (من أذي ذمياً أو معاهداً فقد أذاني، ومن أذاني أذي الله، ومن أذي الله يوشك أن يأخذه..." –أخرجه أصحاب السنن-. ب – من مشجعين : يحرم إيذاء المنافس بأي صورة من صور الإيذاء، قال الله –عز وجل- "يا أيها الذين أمنوا لا يسخر قوم من قوم عسي أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسي أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تتنابذوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون. يا أيها الذين أمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن أن بعض الظن إثم ولا تجسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً.." -الآيتان 11 وما بعدها صورة الحجرات-، فيحرم السباب والشتائم وقذف الأعراض وإطلاق الألقاب السيئة وترويج الشائعات ونقل الكلام للإفساد والسعي لهز الثقة، وتحرم العصبية قال الرسول –صلي الله عليه وسلم- "ليس منا من دعا إلي عصبية"، "دعوا العصبية فإنها فتنة" –رواها أصحاب السنن-. ثالثاً: المحافظة علي شعائر الله –عز وجل-: قال الله –تبارك وتعالي- "ذلك. ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوي القلوب" -الآية 32سورة الحج- فيجب أداء الصلوات في مواقيتها الشرعية "أن الصلاة كانت علي المؤمنين كتاباً موقوتاً" -الآية 103سورة النساء-، ويباح للمسافر فوق مسافة القصر -85كم- قصر الصلاة الرباعية فتؤدي ركعتين (الظهر والعصر والعشاء) والجمع للصلوات ذوات الأوقات المشتركة (الظهر والعصر / المغرب والعشاء) جمعاً وقصراً. وعدم إفطار اللاعب والمشجع في نهار رمضان ألا لعذر السفر فقط في الداخل والخارج أما المقيم فيحرم عليه أفساد الصوم الواجب للألعاب الرياضية أداء وتشجيع. والحزر الحزر من تضييع صلاة الجمعة، قال رسول الله –صلي الله عليه وسلم- "لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليخيمن الله علي قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين" رواه مسلم. وعدم كشف العورة المغلظة للرجل من السرة إلي الركبة، وللمرأة كل الجسد عدا الوجه والكفين، وألا تمارس المرأة أعمالاً رياضية بملابس ضيقة أو كاشفة لما أمر الشرع بسترة والأولي الأداء دون اختلاط وفي صالات مغطاة وما أشبه. رابعاً: حماية المنشات العامة: حرمة المال العام تساوي وتماثل المال الخاص، فيحرم الإتلاف الكلي أو الجزئي بالمباشرة أو بالتسبب، فقد نهي الشرع عن كافة صور الإفساد في الأرض(ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها) الآية 56 سورة الأعراف، "وإذا تولي سعي في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد . وإذا قيل له أتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد" الآية 205 سورة البقرة، ومن القواعد الفقهية "من أفسد أو أتلف شيئاً فعلية إصلاحه" ومن صور الضمان الفقهي "ضمانات المتلفات. خامساً: إخلاص النيات لتحقيق مقاصد مهمة من الأعمال الرياضية منها:- أ - تنمية الكفاية البدنية جسد سليم وأجهزة من حواس وجوارح حيوية فيها الصحة والسلامة والعافية. ب – تنمية المهارات البدنية النافعة من مشي ووثب وجري وقفز وتسلق ورفع ودفع وحمل وما أشبه. ج – اكتساب القدرة علي الجهاد في سبيل الله –سبحانه وتعالي- "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة..". د – التمتع بالنشاط الترويحي (ساعة وساعة) –سنن الترمذي 6/25- وقال الإمام علي –رضي الله عنه- "أجمعوا هذه القلوب والتمسوا لها طرف الحكمة، فإنها تمل كما تمل الأبدان" (الترويح البدني والفكري يجتمع في الأعمال الرياضية). ه - ترسيخ التعاون المجتمعي: قال الله تعالي "وتعاونوا علي البر والتقوى" ويتحقق ذلك من الإخاء الديني والإخاء الإنساني والوحدة الوطنية. و – تشجيع وترويج للسياحة الداخلية والخارجية: "حيثما كانت المصلحة فثم شرع الله –تعالي-" قاله الإمام ابن القيم. توصيات أوصي القائمون علي الأنشطة الرياضية بما يأتي: أولاً: عمل ميثاق الأعمال الرياضية من قسم اللاعبين والمعاونين عند بدء القيد الرسمي علي أخلاقيات ولوائح العمل الرياضي، ويكون دستوراً ملزماً لكافة الهيأت الرياضية. ثانياً: عمل كتيب (أخلاقيات العمل الرياضي ) يوزع علي المشجعين وبمكتبات النوادي الرياضية وغيراها. ثالثاً: اضطلاع الإعلام الرياضي خاصة بالجوانب الأخلاقية ذات العلاقة من كبار الدعاة بجامعة الأزهر الشريف، وكبار الرعاة من الكنائس المسيحية بمصر في القنوات المرئية وموجات الإذاعة التخصصية. رابعاً: تخصيص جائزة نهاية المسابقات الكبرى "الدوري العام، كأس مصر. للجمهور الرياضي المثالي، تساهم في نفقات التشجيع من مواصلات وأغذية وهدايا". خامساً: جعل مشرف ديني تخصصي لكل مادي رياضي أو مستشارين ذو مرجعية دينية لتأهيل الممارسات وفق آلية سليمة. سادساً: جعل (أخلاقيات العمل الرياضي) مقرر دراسي في المؤسسات التعليمية ذات العلاقة. والله عز وجل ولي التوفيق.