قبل أيام تكرّم الصديق العزيز الدكتور طارق مندور وزارنى حاملا معه سفرا رائعا أهدانى إياه، وهو عبارة عن كتاب جديد يحمل اسم والده الناقد العلامة المناضل الراحل الدكتور محمد مندور. الكتاب الذى صدر مؤخرا ضمن مطبوعات المجلس الأعلى للثقافة يحوى بين دفتيه كنزا ثمينا عبارة عن سلسلة مقالات كتبها ونشرها الدكتور مندور الكبير، أغلبها يعود تاريخه إلى نحو 60 عاما، ومع ذلك تبدو على عمقها وثراء واتساع ثقافة صاحبها، فضلا عن انحيازه وإخلاصه للوطن وناسه، طازجة جدا كأنها كُتبت هذه الأيام ومشتبكة بقوة مع أهم قضايانا الراهنة.. لهذا آثرت أن لا أحتكر وحدى الفائدة والمتعة العقلية التى فزت بها وأنا ألتهم بشغف سطور الكتاب، وقررت أن أنقل للقارئ الكريم هذه القطوف من بستانه: «.. الحقوق والحريات السياسية يجب أن ينص الدستور على إطلاقها وأن يرسم للقوانين التى قد تصدر لتنظيم تلك الحقوق والحريات حدودا دقيقة يجب أن تنحصر فى نطاق محدود، هو عدم جواز استخدام العنف فى مزاولتها، وينبنى على ذلك بالضرورة حذف أنواع من الجرائم التى لا تقرها الديمقراطية الصحيحة، مثل جرائم الرأى بكل السبل من نشر وتظاهر وإضراب وتكوين أحزاب ونقابات وجمعيات، وما إليها من وسائل التعبير الجماعى والمطالبة بالحقوق والدفاع عنها بالسبل السلمية المشروعة..». «.. أما حقوق المواطنين الاقتصادية والاجتماعية فإن تحقيقها وتحصينها يقتضى من الدولة أمرين: أولهما، إصدار التشريعات والقيام بالتوجيهات والإرشادات التى تكفل تنظيم الشعب تنظيما اجتماعيا يُمكنه من استخلاص حقوقه والدفاع عنها.. والأمر الثانى ضرورة تنظيم الدولة للإنتاج وتوجيهه على نحو يحقق العدالة الاجتماعية، ثم ضرورة تدبير الدولة الأموال اللازمة للنهوض بالخدمات العامة المختلفة..». «.. لقد ثبت أن الخطر الذى كان يتهدد الوطن ومستقبله لم يكن فى جمع (الإخوان) الأسلحة والمفرقعات، بقدر ما كان فى تضليل النفوس التى لم يكن هناك بد من اصطيادها لاستخدام تلك الأسلحة، باسم خدمة الإسلام..»!! «والذى لا شك فيه أن هذا التضليل لم يكن يستطيع أن يحدث أثره إلا بفضل الظلام.. ظلام الجهل القابع فى النفوس، وظلام الحقائق التى كان يجهلها الشعب، والتى ما كان ينبغى أن يجهلها محافظة عليه من التضليل والدس فى الظلام. فلو أن المصريين كانوا يعلمون أن قادة الإخوان طلبوا من رجال ثورة (يوليو) منذ لحظتها الأولى أن يقروا حكم البلاد عشر سنوات حكما عسكريا تحت وصاية الإخوان، لما صعب عليهم أن يفضحوا نفاق هذه الجماعة عندما تروج منشورات تدعو للحرية والديمقراطية..»!! «.. ولو أن المسلمين البسطاء علموا أن تشريعاتنا الوضعية القائمة لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية فى شىء لما استطاع المضللون أن يجندوا بعضهم باسم الإسلام للحكم بالإسلام وعلى أساس القرآن..». «.. إن الخطر الحقيقى الذى لا يتهدد الثورة فحسب، بل يهدد الوطن كله ومستقبله، إنما يأتى من الجهل والظلام، وأن خير سبيل للقضاء عليه، هو نشر نور العلم وإضاءة المصابيح».