عاد فريق من المحسوبين على التيار المدنى إلى ممارسة هواية المزايدة من جديد، بدأ البعض منهم يتحدث عن رفض حكم العسكر، وهناك من سار خطوات أبعد فى طريق المزايدة وتحدث عن أن الجيش المصرى دبر القصة برمتها وأنه هو من وقف وراء الإطاحة بحكم المرشد والجماعة. وقد غالى البعض منهم فى المزايدة لدرجة وصف 30 يونيو بالانتفاضة، وهو وصف أحسب أنه يمثل إهانة للغالبية الساحقة من المصريين. نعلم تماما أن 25 يونيو كانت حركة احتجاج على تعسف الشرطة واستبداد النظام، وأن الشباب المصرى الذى خرج فى ذلك اليوم إنما خرج للاحتجاج على الشرطة يوم عيدها القومى، ولم يكن خروجه بهدف إسقاط النظام، لكن صلف النظام وتبلد مبارك وتشبث الوريث حول حركة احتجاج تدريجيا إلى ثورة، ثورة فجرها شباب مصر ثم قفز عليها الإخوان، أبرموا الصفقة مع المجلس الأعلى السابق للقوات المسلحة، وكانت صفقة بيع مصر والمصريين. خلال فترة مرسى كان هناك على الدوام من كان مستعدا للعمل مع الجماعة والعيش فى ظلال المرشد، كان هناك من كان مستعدا للقبول بلعب دور «المحلل» المدنى للجماعة لقاء مكاسب شخصية، كان هناك من كان على استعداد للعب دور المعارضة المستأنسة للجماعة، ولذلك دافعوا بشدة عن خوض الانتخابات تحت أى ظرف من الظروف وبصرف النظر عن مدى توافر الضمانات من عدمها. هؤلاء قدروا أن الثلاثين من يونيو لن يكون أكثر من مجرد حركة احتجاج محدودة لن يزيد عدد من سيخرج إلى الشوارع على حفنة آلاف، طبعا التقدير مخلوط بالتمنيات، تلك التمنيات التى وضعت غشاوة على العيون فلم تعد قادرة على رؤية حركة المجتمع. وفى تقديرى أن 30 يونيو أطاحت بأحلام قطاع من التيار المدنى بنى حساباته على أساس التمتع بمزايا لعب دور المعارضة فى زمن الإخوان مثلما تمتع البعض بمزايا لعب دور المعارضة فى ظل مبارك، لذلك ليس مستغربا أن يصف البعض من هؤلاء ثورة 30 يونيو بالأحداث أو الانتفاضة. وفى سبيل تمرير رؤيتهم هذه تحدثوا عن حكم العسكر وأنهم لا يرغبون فى إعادة إنتاج دولة العسكر من جديد، وهى حجة فى تقديرى من أجل تقزيم تأثير الثورة على هيكل النظام الذى وضع الإخوان أسسه. الحديث عن حكم العسكر هو حديث معجون بالانتهازية أو التهور، نعلم جميعا الدور الذى لعبه الجيش المصرى كجيش وطنى فى بناء مصر الحديثة على يد محمد على باشا، وأن الجيش المصرى هو جيش وطنى لا يقوم على أساس دينى، طائفى، عرقى أو جغرافى، فهو جيش مصرى أولا وأخيرا، وأن هذا الجيش عندما خرج فى 23 يوليو 1952 وقام بانقلاب عسكرى على الملك، احتضن المطالب الشعبية، فصبغ الشعب صفة الثورة على حركة الجيش. يعلم الجميع أن الشعب المصرى الذى كان يئن تحت حكم المرشد والجماعة تطلع إلى الجيش ليخلصه من هذا الحكم الفاشى، ويعلم الجميع أيضا أن المصريين الذين خرجوا فى الثلاثين من يونيو فعلوا ذلك بعد أن طمأنهم الجيش بتوفير الحماية لهم، ويعلم الجميع كذلك أنه ما لم يعلن الجيش حمايته للمتظاهرين لكان الإخوان ورفاقهم من الجماعات المتشددة قد فتكوا بالمتظاهرين من خلال الاعتداء على المسيرات، وربما تدبير تفجيرات فى بعضها كى يلزم المصريون بيوتهم ولا يخرجوا على حكم المرشد والجماعة مرة ثانية. كثر حديث الجماعة ورفاقها عن حكم العسكر، وردد الكلمات من خلف قطاع من المحسوبين على القوى المدنية، بوعى أو بمراهقة ثورية، وتلقف الغرب الفكرة وبدأ فى ترديدها، وللكلمة وقع سيئ على مسامع الرأى العام الغربى الذى يرى حكم العسكر وفق خبرته التاريخية يعنى الديكتاتورية العسكرية المستبدة التى قتلت الملايين فى أوروبا والعالم، ونموذجها الأحدث عسكر أمريكا اللاتينية من أمثال بينوشيه فى تشيلى، وعلينا هنا أن نقول إن جيش مصر لم يكن فى يوم من الأيام ضد شعبه ولا مارس قتلا فى شعبه ولم يكن من فئة عسكر أمريكا اللاتينية التى صنعتها الولاياتالمتحدة، فبينوشيه على سبيل المثال صناعة أمريكية قتل الزعيم التشيلى اليسارى سيلفادور الليندى بأوامر أمريكية وقام بتصفية آلاف النشطاء من شعبه، قتلهم بدم بارد، وضع الآلاف فى ملعب لكرة وقام بتصفيتهم جسديا دون أن تصدر كلمة إدانة من واشنطن أو عاصمة غربية، العسكر كانوا تربية الغرب والأمريكان فى العالم الثالث، فى آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، ساندوهم وساعدوهم فى قتل الرؤساء ورؤساء الحكومات المنتخبين، لأن المصلحة الأمريكية كانت تقتضى ذلك، ولم يكن جيشنا فى ذلك الوقت جزءا من عسكر الأمريكان، بل اصطدم بالسياسة الأمريكية، وهو ما يفعله اليوم دفاعا عن مصر والمصريين.