عشت قرابة ساعتين من المعاناة، حاولت عبثًا أن أعثر على ضحكة دون جدوى، هذه هى حالة «نظرية عمتى»، الفيلم من البداية يعقد معك اتفاقًا وهو أنك بصدد شريط كوميدى، ولكن تكتشف أنه عمل فنى يحض على النفور والتبرم، ولهذا احتل المركز قبل الأخير فى قائمة الإيرادات لأفلام العيد، بعد أن أُصيب بالسكتة الجماهيرية، صناع الفيلم يقولون إنه فى الأيام القادمة سوف تنضبط الأمور ويذهب إليه الجمهور المستهدف، أقول لكم أبدًا إنه يحمل أسباب موته المبكر فى جيناته الفنية. خدع الفيلم الناس فى البداية بالدعاية التليفزيونية المكثّفة، فذهب إليه بعضهم واكتشف فى دار العرض الخدعة الكبرى لا كوميديا ولا رومانسية ولا أى شىء آخر له علاقة بالسينما.. الخطأ يبدأ مع ضربة البداية، عندما اعتقد المخرج أنه من الممكن أن يصنع دون أى توجيه من بطليه حسن الرداد وحورية فرغلى نجمًا كوميديًّا ولم يدرك أن هذه الملكة تولد مع الفنان ومن غير الممكن زرعها عنوة. من الذى يمنح لقب الفنان الكوميدى؟ إنها الجماهير، الناس تكتشف الفنان الكوميدى قبل أن يعرف هو أن بداخله تلك اللمسة، راجع مثلًا أشهر نجوم الكوميديا تفاجأ أنهم كانوا يتمنون أن يصبحوا نجوم تراجيديا، ولكن الناس أبت ذلك وهو ما حدث مع نجيب الريحانى الذى أراد أن يسير على خطى عملاق التراجيديا فى المسرح جورج أبيض، فكانت الناس تضحك فى أثناء أدائه المواقف المأساوية، إسماعيل ياسين جاء من مدينة السويس لكى يغنى لمحمد عبد الوهاب بكل جدية ووقار «أيها الراقدون تحت التراب» وضحكت الجماهير، بينما أراد هو أن يبكيهم، عادل إمام طلب من المخرج حسين كمال قبل أكثر من 50 عامًا أداء دور جاد فى مسرحية «ثورة القرية»، فراهن عليه كوميديانًا ومنحه دورًا صغيرًا يقول فيه «معايا عسلية بمليم الوقية» فانطلق من بعدها إلى عرش الكوميديا ثلاثة عقود من الزمان. مأزق «نظرية عمتى» أن بطليه حسن الرداد وحورية فرغلى اعتقدا أنه بمجرد المبالغة والحملقة فى الكاميرا فإن هذا وحده كفيل بأن يستلقى الجمهور على قفاه من فرط الانبساط والنعنشة، وتلك هى المأساة، وبالطبع هى مسؤولية المخرج أكرم فريد بالدرجة الأولى الذى لم يوجّه نجميه ولم يحاول تقليل حالة الافتعال التى يعتقد بعض المبتدئين أنها الطريق الوحيد المضمون للضحك. بناء الفيلم كما كتبه عمر طاهر يشى بإمكانية تقديم مسلسل تليفزيونى متعدد الحلقات، حيث إن لبلبة لديها مكتب متخصص فى حل العقد العاطفية وتضع الخطط لكى تحل كل هذه المشكلات وتتعرف على بطلة الفيلم حورية التى تشارك فى فريق إعداد البرنامج بإحدى الفضائيات وفى نفس الوقت واقعة فى حب من طرف واحد للمذيع الرداد، تروى لبلبة فى كل مرة حكاية هى طرف فيها لتصبح كل منها دلالة على الزمن من السبعينيات وحتى الآن وفى كل مرة تنتهى القصة العاطفية بمأساة تراجيدية عاشتها لبلبلة وتقمصها الرداد وحورية.. الفيلم يضع المخضرمان حسن حسنى ولبلبة فى الصفوف الخلفية ليمنح بطليه فرصة أكثر للوجود على الشاشة فى مقدمة الكادر، ولكن هيهات. لا يقدم أكرم رؤية تحمل أى محاولة للإضافة الفنية سواء بالمؤثرات أو الموسيقى أو التكوين الدرامى، لا شىء من الممكن أن تلحظه فى هذا الفيلم يشى بوجود المخرج إلا فقط أنه يمنح كما هى عادته دورًا لزوجته الممثلة تتيانا، لو حذفت الدور ما تغيّر شىء، أضاع المخرج على نفسه الفرصة لكى يقدّم رصدًا اجتماعيًّا للحياة فى مصر رغم أنه ينطلق كما يحلو له فى الزمان والمكان، إلا أننا وبعد أن نصبح على مشارف الزواج يكتشف أن الزمن لا يزال فيه متسع فيبدو الجزء الأخير ثقيلًا وهو يرجئ تقديم النهاية لمجرد أن يملأ دقائق، لنصل إلى المشهد الأخير بزفاف جماعى لزواج الأربعة، حيث إن حسن حسنى يتزوّج أيضًا لبلبة. الملل كان هو الهدف الوحيد الذى حققه المخرج باقتدار وأوقع نجمين واعدين فى مأزق، كان من الممكن فى ظل قيادة فنية لمخرج يعرف أدواته أن تُصبح الخسائر أقل، إلا أنه فى كل الأحوال من الخطأ أن يكرر أى منهما مرة أخرى هذه التجربة، كل شىء من الممكن تحقيقه بالخناق إلا الكوميديا بالاتفاق، فلا تستطيع أن تنتزع الضحك بالدراع!!