متى يعترف اللواء ممدوح شاهين؟ ..المستشار طارق البشرى اعترف بأنه شارك فى الخديعة. اعترافا لم يكن كاملا. المستشار البشرى رأى أن الخطأ لم يكن فى التعديلات الدستورية ولا فى بنيانها ولكن فى أن المجلس العسكرى استجاب لضغوط «بعض التيارات السياسية» فى تأجيل الانتخابات. أى أننا ما دام المستشار البشرى يتكلم فى السياسة لا فى الدستور فقط، نعتبر أن تصريحاته أو اعترافات تمد الخطوط على استقامتها لتستكمل معركة الإخوان المسلمين الضاغطة على المجلس بتسريع الانتخابات. الخديعة إذن مستمرة. ولا بد أن يعترف اللواء كما اعترف المستشار لنعرف ماذا حدث وكيف شارك الجميع فى الخديعة التى وقعت بعد أيام من كسر رقبة النظام الديكتاتورى. هل كان المجلس العسكرى مرتبكا ولم يكتشف أنه قد تم تمرير فكرة الانتخابات السريعة لحصد الغنائم؟ ألم يكن أحد يعرف أن طريقة اختيار الجمعية التأسيسية للدستور ليس شرطا أن تكون عبر مجلس الشعب؟ كيف مرت الخدعة؟ ولماذا تريدون استمرارها إذا كانت تقود مصر إلى الكارثة؟ الخدعة أدت إلى استقطاب حاد أرهق الثورة، لأن الطرفين اللذين اشتركا أو أسهما فى الثورة بعد اشتعالها: الجماعة والمجلس، أرادا أن يبعد المكاسب كلها عن القوى الثورية الجديدة. الخوف من الثورة هو الذى حرك الخدعة. الجماعة خافت أن تتجاوز القوى الثورية الجديدة (فى الجماعة وبالتأكيد خارجها) مساحتها فى المجال السياسى. والمجلس ارتبك فى مواجهة قوى لا تريد تغيير حسنى مبارك، ولكنها تريد بناء جمهورية جديدة دون مؤسسات وصاية. هنا الخديعة كانت هى الحل على ما يبدو الآن من تفاصيل تتكشف فى لحظة خلاف بين الجماعة والمجلس. المجلس أراد الاعتماد على قوة سياسية منظمة، وبالطبع الإخوان هم شريك مناسب، خصوصا أنهم مشتاقون إلى الشرعية، وجناحهم العجوز لم يكن لديه مانع من صفقات حتى مع عمر سليمان. الخدعة لم تكن إشعال النار بين «الانتخابات أولا» و«الدستور أولا»، ولكن فى دفع الأمور لكى تسير بنفس قوانين الدولة المستبدة، وفى اللحظة السابقة على أيامها الأخيرة، ليتوقف المشهد عند ما قبل 2010 حين كان الإخوان هم القوى السياسية القادرة على حصد كراهية الشعب لنظام مبارك، وبقية الأحزاب كرتونية، تتعلق بذيل النظام أو الجماعة، حسب اتجاهات الرياح. المشكلة ليست فى سرعة الانتخابات يا سيادة المستشار، ولكن فى الإصرار على لعبها بنفس طريقة النظام المستبد وبقوانينه قبل تفعيل قوانين وقيم الثورة. الخدعة هى فى إرادة توقيف الثورة لا تفعيلها، فى تحجيم الثورة لتصبح مجرد مظاهرة أو انتفاضة أطاحت برئيس وعصابته. الجماعة وصلت إلى الثورة متأخرة. والمجلس لم يكن أمامه خيار إلا تأييدها. هل تلاقت هنا المصلحة ووقعت الثورة بين سندان ومطرقة، لا أعرف من فى الجماعة والمجلس المطرقة ومن السندان، لكن الاتفاق غير المعلن: كفاية ثورة ولنعد إلى المسار القديم بعد التخلص من مبارك. هل هذا ما حدث؟ مَن شارك فى الخديعة؟ وألى أين تقودنا؟ والأهم: هل تستمر الخديعة، ويتعطل بناء الجمهورية الديمقراطية سنوات، لأن هناك من يريد أن يوقع للناس على صكوك للجنّة مقابل أصواتهم فى الصناديق؟ اللواء والمستشار الآن على مسافة، لكنهما فى متاهة واحدة... للأسف أدخلا فيها البلد كاملا. لماذا؟ ومَن كان يخطّط لعقاب الشعب على ثورته؟ مَن خطّط للمتاهة التى نعيشها الآن؟ ... متى سيعترف اللواء ممدوح شاهين؟