تناولت مؤخرًا بعض الأخبار والمقالات والتقارير موضوع (البديل المدني) الذي يمكن أن ينافس على منصب رئيس الجمهورية في انتخابات 2018، الذي طرحه العالم الشاب عصام حجي (ابن الفنان التشكيلي القدير الأستاذ محمد حجي والمستشار العلمي السابق لرئيس الجمهورية)، وقد تنوعت الآراء حول هذا البديل وطبيعته، فهل هو شخص؟ أم تحالف وطني؟ أم مجموعة أفكار؟ وقبل أن أتحدث إليك بموقفي في هذا الموضوع عندي ملاحظة أولية أرى ضرورة تحريرها، وهي أن دور الفرد في التاريخ حاسم بصورة كبيرة جدًا بغض النظر عن خلفيته الفكرية (عسكريًا كان أم مدنيًا)، خاصة في بلاد ما يسمى بالعالم الثالث، والذي تحتل فيه مصر مكانة مرموقة! بنظرة سريعة على تاريخنا الحديث في القرنين الماضيين، سنكتشف أن اللذين قادا نهضة مصر من حكامها رجلان عسكريان، الأول محمد علي باشا (1769/ 1849)، إذ جاء إلى مصر للمرة الأولى في حياته عام 1801، وعمره في حدود 32 عامًا، لا يعرف اللغة العربية على الإطلاق، حيث ترأس فرقة عسكرية من الجنود الألبان أرسلتها الدولة العثمانية لمقاومة الحملة الفرنسية، ثم تولى السلطة في 1805، وعمره 36 عامًا، وصنع ما صنع بمصر كما تعرف. الرجل الثاني كان جمال عبد الناصر (1918/ 1970)، وكان ضابطا بالجيش المصري الذي أسسه محمد علي نفسه عام 1820، وقد تولى عبد الناصر السلطة عام 1952، وعمره 34 سنة، وقفز بمصر قفزة كبرى ومهمة نحو الاستقلال الوطني والتصنيع والعدالة الاجتماعية، الأمر الذي دفع الملايين لأن تؤمن به وتحبه حبًا جمًا بوصفه أول مصري يحكم مصر منذ ألفي عام، وأول حاكم للبلد ينحاز إلى الغالبية العظمى من االفقراء ويعمل على إنصافهم. الرجل الأول كان شابًا ممتلئا بالطموح يقود ستة آلاف جندي وضابط (ألباني) مسلحين وخاضعين لأوامره، والقائد الثاني كان شابًا أيضا على رأس مجموعة من الضباط المصريين المتميزين الحالمين بوطن حر، وتحت إمرتهم آلاف من الجنود المصريين المسلحين ينفذون أوامرهم في التو واللحظة. كل من الرجلين اتخذ إجراءات (عنيفة) وفق سياق عصره لتنفيذ مشروعه في التطور، وكل من الرجلين لم يلق معارضة تذكر من قبل أحزاب أو تنظيمات لها مصالح تتعارض مع ما اتخذ من قرارات، لأنه ببساطة لم تكن هناك أحزاب أو تنظيمات سياسية ذات شأن. باختصار... من يملك الحلم والطموح مدعومًا بقوة منظمة ومسلحة يستطيع أن يصل إلى السلطة في مصر وينفذ مشروعه، بغض النظر عن نتائج هذا المشروع، ولم ينجح السادات أو مبارك في حكم مصر طوال أربعين سنة إلا لأنهما مدعومان من قبل القوى المنظمة المسلحة، رغم الكوارث التي اقترفها كل منهما في حق الأغلبية العظمى من المصريين. أما بخصوص البديل المدني، فالسؤال: أين هو هذا البديل؟ هل نملك أحزابًا سياسية قوية تستطيع أن تؤثر في الشارع؟ هل تمكن السياسيون والمثقفون (المحترمون والمزيفون) من تكوين منظمات سياسية تلتف حولها الجموع وتنفذ أوامر قاداتها؟ هل برز شخص مدني ذو مواصفات كاريزمية قادر على حشد الملايين خلف أفكاره وخطبه وبرنامجه السياسي؟ حتى هذه اللحظة نفتقد كل هذا، وهو أمر مؤسف طبعًا، ولكي نستطيع أن نؤسس بديلا مدنيًا، يجب أن ينهض هذا البديل على حزب سياسي يؤمن به الملايين من الناس، وإذا كان محمد مرسي حكم مصر وهو رجل مدني، فإن جماعته (المنظمة) كانت من الغباء بشكل لا يصدق، الأمر الذي دفع الناس إلى الثورة عليها وإسقاطها وإسقاطه، ولا تنس طبعا أن هذه الجماعة المشبوهة لم تكن تملك السلاح، وهذا من حسن حظنا طبعًا! أجل... لن يحكم مصر رئيس مدني في المستقبل المنظور، رغم قناعتي التامة أن تطور البلد ونهضته وتحقيق العدالة الاجتماعية أمور لا تتوقف على مدنية أو عسكرية الرئيس، وإنما تتوقف على درجة وعي الرئيس وثقافته وحزمه وقناعاته بحقوق الملايين. ملحوظة ختامية: البديل المدني يعني بناء حزب سياسي حقيقي، لأن البشر لم يخترعوا سلاحًا أمضى من الحزب السياسي حتى الآن لينتزعوا حقوقهم المسلوبة من ظالميهم ويحققوا طموحاتهم وأحلامهم، وبناء حزب جاد أمر يحتاج إلى سنوات طويلة من العمل والدأب والكفاح لتغيير المنظومة الفكرية البالية التي تهيمن على عقول الغالبية العظمى من مواطنينا... فمتى نبدأ؟