هل تستطيع أن تؤدي عملًا ما دون أن تبصره جيدًا.. هل بوسعك أن تحلم دون أن ترى الواقع.. ثلاثي كفيف، تمردوا على واقعهم وكان الإحساس السبب الأهم والرئيسي في احترافهم ب"صناعة الفخار" بعد أن فقدوا نظرهم واحدًا تلو الآخر خلال ال11 عامًا الماضية. في حوش صغير بالإيجار بمركز نقادة جنوب محافظة قنا، يجلس الأشقاء الثلاثة دون نعمة البصر داخل غرفة صغيرة وأمامهم طاولة من "الطين" الذي يستخدم في صناعة الفخار يقوم بتجهيزها أحدهم متذكرًا ما كان يفعله منذ 11 عامًا قبل أن يفقد بصره، بينما يجدل الشقيقان نماذج مختلفة من الفخار في رفقة أطفالهما الذين يراقبون عن كثب حركات أيدي آبائهم وأصابعهم المتقنة، ويلبون طلباتهم في أثناء العمل. "صناعة الفخار" هي حرفة قديمة عرفها أهالي محافظات "الصعيد الجواني"، خاصة إقليم محافظة قنا، واستطاع الأشقاء "كمال وحربي وسعيد" الذين فقدوا بصرهم في اتقانها على مر السنوات، وروّجوا لصناعتهم الجيدة، واشتهروا في العديد من الأسواق. رغم الحياة الصعبة التي يعيشها الثلاثي الكفيف مع 10 من أبنائهم، إلّا أنهم يحافظون على هدوئهم وثقتهم في أنفسهم، مؤكدين بعبارات واضحة قناعتهم ورضاهم بالقدر الذي كتبه الله لهم، ورفضهم الدائم لاستعطاف الناس، فاختاروا كسب قوتهم من عرق جبينهم. قبل نحو 35 عامًا بدأ الأشقاء "كمال وحربي وسعيد" تعلّم حرفة صناعة الفخار من والدهم، حتى قرر القدر منذ قرابة 11 عامًا أن أن يأخذ بصيرتهم، ليتغلبوا على المرض ويقرروا الاستمرار في حرفتهما ب"الإحساس" تلك التي أتقنوها منذ الصغر على يد والدهم، أملًا في تحسين دخلهم وتغطية احتياجاتهم اليومية. لم يتوقف الأمر عند ذلك، إذ إن الأشقاء قاموا بنقل خبراتهم في الصناعة إلى أبنائهم ال10، حيث تعلّم الأبناء من آبائهم تحضير العجينة التي يتم تصنيعها من الطين وتصنيع "الزيار والقلل والطواجن" التي تعتبر أهم صناعات الفخار. يقول كمال على إبراهيم، الأخ الأكبر بين أشقائه، 46 عامًا، والذي يعمل في صناعة الفخار منذ قرابة 35 عامًا: "منذ قرابة 10 سنوات فقدت بصري لكني أصررت على استكمال العمل في هذه الحرفة بالإحساس". يضيف كمال: "أكل العيش مُر وربنا خد مني حاجة وعوّضني بحاجة غيرها والحمدلله على نعمة الرب الكريم"، فيما أشار حربي، الأخ الثاني، خريج دراسات إسلامية "شعبة لغة عربية" والذي يعمل مدرسًا في الصباح وعصرًا صانعًا للفخار، إلى أنه فقد نظره هو وأشقائه منذ فترة بوجود مياه بيضاء في أعينهم حتى وصلت إلى انفصال شبكي واحد تلو الآخر. أكد حربي، أنهم يعملون في صناعة الفخار منذ الطفولة حيث كانوا رفقاء المهنة ورفقاء فقد النظر، حتى عندما فقدوا نظرهم تمكنوا من القدرة على التحمل، واستكمال العمل في حرفتهم عن طريق إحساسهم بالمهنة وقواعدها، قائلًا: "ربنا عوّضني أنا وأخواتي بالإحساس وقوة التحمل ومستمر في المهنة ولو قعدت ومشتغلتش بحس بالملل والمتعة إني أشتغل وأنتج بحس نفسي زي الناس العادية". وتابع سعيد حربي، الشقيق الأصغر: "أطفالنا يساعدوننا في تجهيزات العمل ويقفون بجانبنا، حتى تعلّموا المهنة.. الأبناء ترى ينظرهم وإحساسنا يصنع الفخار".