هل يمكن أن تقام حملة لجمع التبرعات لإنشاء مؤسسة تعليمية؟ وكيف يمكن للاقتصاد أن ينمو بتبرعات القادرين التى تصب فى مشروعات خيرية خدمية غير إنتاجية؟ تبرعوا لمستشفيات علاج الأورام. تبرعوا لتوصيل مياه الشرب. تبرعوا لشبكات الصرف الصحى ولمنازل آدمية لسكان العشوائيات. هدفنا إطعام ثلاثة ملايين جائع وجمع مليونى قطعة ملابس مستعملة. ربما يظن البعض أن التبرع لتلك الجهات لتحقيق تلك الأغراض يخفف العبء عن خزانة الدولة لكى توفر الإنفاق العام وتتفرغ لعمل مشروعات إنتاجية تنموية. لكن المتأمل لتوجهاتنا الاقتصادية لا يجد خطة تجسدها رؤية مدروسة لتحقيق تلك التنمية. حملات التبرعات تؤمن غالبًا بفكرة الصدقة التى تعالج الفقير وتسهم فى تقليل أعباء معيشته دون أن تتعامل مع جوهر مشكلته الحقيقية. ألا وهى تحويله إلى إنسان مؤهل ومنتج. إذا كنت تريد توضيحًا أكثر فاسأل نفسك معى كما قلت فى بداية هذه السطور: لماذا لا تقوم حملة لجمع تبرعات لإنشاء مؤسسات تعليمية متطورة تساعد فى علاج أزمة التعليم؟ لماذا لم نسمع مطلقًا عن حملة تستهدف جمع الملايين لإنشاء مؤسسة تدريب تكنولوجية تلبى احتياجات سوق العمل وتسهم فى تحويل أبناء الفقراء إلى منتجين قادرين على إطعام أنفسهم دون حاجة إلى متبرع يكون هدفه الوحيد أن يضع الطعام طوال العمر على موائد ذويهم؟ الإجابة البسيطة هى أن تلك المؤسسات التعليمية لا توجد إلا لسد النقص فى العمالة التى تحتاج إليها مؤسسات إنتاجية تنمو وتزدهر فى ظل خطة شاملة تهدف لتحقيق نهضة اقتصادية تسعى للوصول إلى عدالة اجتماعية. نظرية تناثر الفتات من موائد القادرين لا تصنع مجتمعًا يستهدف القضاء على أسباب الفقر التى خلقت الجوع. الحسنة القليلة للأسف لا تمنع شرورًا كثيرة إلا بصورة مؤقتة. فالصدقة، حتى ولو كانت كبيرة، لن تمنع المصائب، حتى ولو كانت قليلة، إلا بشروط أهمها ألا يظل المحتاج معتمدًا على الصدقة إلى الأبد. هذا هو جوهر القضية. لكن المشكلة التى تزيد الأمر تعقيدًا أن التعليم بلا خطة تنمية شاملة مدروسة لا يكفى بمفرده. لأنه يشبه السنارة التى تمنحها لفقير يعيش فى صحراء بلا نهر، وبلا ساحل يطل على البحر. كيف تتوجه التبرعات لتعليم تكنولوجى، على سبيل المثال، فى غياب السوق الرائجة التى تحتاج إليه وتوفر فرص العمل للمتخرجين؟ يقول الصينيون لا تمنح المحتاج سمكة لعشائه بل عليك أن تعلمه الصيد. جميل جدًّا، ولكن قبل أن تمنحه السنارة أيضًا يلزم أن توفر له نهرًا للصيد تجرى به الأسماك. كل إعلان لتبرع يعقبه على الفور إعلان لكومباوند يختفى سكانه داخل أسواره هربًا ممن يتبرعون لإطعامهم وعلاجهم!