ما حدث فى الثلاثين من يناير ثورة... ثورة اعترف بها قطاع عريض جدًّا من الشعب، وانضمت إليها الشرطة، واستجاب لها الجيش... ثورة خرج فيها العمال والفلاحون والموظفون والتجار والقضاة والإعلاميون والمثقفون والأدباء والفنانون... ولأوّل مرة فى التاريخ... الشرطة... ثورة خرجت لتقول لمن قالوا «طز ف مصر» طز فيكم أنتم وألف ألف طز... ثورة، حتى لو دفعتم المليارات حتى تتحدّث وسائل إعلام غربية بلسانكم... وهى ليست ثورة على غيِّكم واستبدادكم وطغيانكم وتجبُّركم وتكبُّركم وغطرستكم وتعاليكم فحسب، وإنما هى ثورة أيضًا على اللى يتشدّد لكم... وأعنى بهذا أمريكا، التى تحلمون بأن تأتى قواتها لاحتلال الوطن، الذى تريدون حكمه بالسلاح والدم، فى دليل حاسم آخر، على أنكم لا تصلحون أو تستحقون حكم هذه الدولة العظيمة وشعبها فوق العظيم، وأنتم تتمنون لها احتلالًا أجنبيًّا، فقط لتحكموها... ويا للوطنية! ما تحلمون وتسعون إليه أيها الدَّعِيُّون لا يمكن تصنيفه، فى كل بلاد الدنيا، إلا بأنه خيانة عظمى، بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ… خيانة لا تستحقّ سوى الإعدام... على أقل تقدير... طبعًا هذه الأسطر القليلة السابقة ستستفزكم وتغضبكم وتشعل النيران فى نفوسكم... ولكن ليس حتمًا فى عقولكم، لأن عدم إدراككم لما يحدث من حولكم، يثبت أن عقولكم قد صارت بالفعل رمادًا فى جماجمكم، لا تعى ولا تدرك... فالواقع أنكم جميعًا ضحية... كنتم كذلك، وما زلتم، ولكن على نحو أسوأ... فالواقع أن الذين يصرخون فيكم ليل نهار، لكى تصمدوا وتستمروا، ويخوّفونكم من التراجع، أو الاستسلام للإرادة الشعبية، هم أنفسهم من يشجعونكم على خيانة الوطن، ويتخذون منكم دروعًا بشرية، تحمى قادتهم وحدهم، والذين لا يتورعون عن التضحية بكم، وحتى بالشعب كله، فى سبيل بقائهم هم، وبخاصة بعد اتهامهم رسميًّا وقانونيًّا بالخيانة... أنتم بالنسبة إليهم مجرّد دروع، تتلقى عنهم الأضرار، ليبقوا هم سالمين... ترى كم من آبائهم بينكم، يعرِّضون صدورهم للخطر، كما يطالبونك هم؟! كم من أبنائهم يواجه الخطر، وكم منهم تم تهريبه، حتى تموتوا أنتم من أجله؟ يطالبونكم بالاستشهاد، ويحمون أبناءهم! ثم استشهاد من لأجل ماذا؟! الاستشهاد ليس صكًّا يعطيه لك لسان فصيح... الاستشهاد هو وسام من الخالق عزّ وجلّ، يمنحه لمن يموت فى سبيله، فإن كان موته سيسىء لدين الله المعز المذل المنتقم الجبار، فكيف يصير استشهادًا؟! وأى جهاد هذا، الذى يدعونكم من دون أبنائهم إليه؟! جهاد مسلم ضد مسلم؟! جهاد من أجل رجل، إن مات أو قُتل صار ترابًا مثله مثل أى كائن آخر، من الفيل حتى صرصار الغيط؟! هل ترون من حولكم شعبًا يعبد الأصنام فتجاهدونه؟! ألا ترون أن كل الشعب يصلى ويصوم، والملايين منه تحج إلى بيت الله الحرام؟! أهذا هو الشعب الذى تتصوّرون أن الله سبحانه وتعالى سيجزيكم خيرًا، إذا ما جاهدتموه؟! ثم ماذا لو افترضنا أن مرسى قد عاد إلى الحكم...؟ ولكن للافتراض المستحيل حديث آخر.