أعلنت وزارة الإسكان إنشاء مدينة سكنية في "توشكى".. وسط الصحراء.. للمواطنين محدودي الدخل.. والبسطاء.. وأطلقت عليها اسم "توشكى الجديدة".. ثم كلفت المرحلة الأولى منها مبدئيا نحو مليار جنيه.. ولكن الغريب في الأمر أن يصل سعر متر شقق "الفقراء" بمشروع الإسكان الاجتماعي بتوشكى إلى نحو 3670 جنيه للمتر الواحد، وبما أن متوسط المساحة 105 أمتار، فإن سعر الوحدة السكنية هو 385 ألف و350 جنيه، أي ضعف سعر المتر بنفس المشروع بمدينتي القاهرة الجديدة والشيخ زايد!!. وبالرغم من أن الوزارة قد انتهت من بناء 1224 وحدة سكنية، منها 612 وحدة للإسكان الاجتماعي، ومثلهم للمتوسط، إلا أنها فشلت في بيع شقة واحدة منهم، رغم محاولات وزير الإسكان الحثيثية ومخاطبته 4 وزارات لديها موظفون هناك هي "الري، الزراعة، الكهرباء، والداخلية"، ولكن لم تبد أي من هذه الوزارات أي نية في شراء وحدات سكنية بالمدينة، حتى وإن كانت لن تدفع مليمًا واحدًا وتتحمل وزارة المالية التكلفة. وفي المقابل رفضت أيضا الشركات الزراعية العاملة في منطقة توشكى، شراء وحدات سكنية بالمدينة، لعدة اعتبارات أهمها ارتفاع سعر الوحدات السكنية بشكل مبالغ فيه، بالإضافة إلى أنهم بنوا في مزارعهم "عنابر" للعمال لديهم. "التحرير" حصلت على مستندات تثبت تكلفة كافة بنود المرحلة الأولى، بمدينة توشكى، من إسكان ومرافق وخدمات أوشكت على الانتهاء منها، والبالغ مساحتها 2973 فدانًا، والواقعة شمال غرب مدينة أبو سمبل، بمسافة 90 كم، وجنوب شرق طريق "أسوان - أبو سمبل"، وتبعد عنه كيلو مترا، وعلى مسافة 55 كم من الساحل الغربى لبحيرة السد العالى، والموقع عبارة عن منطقة صحراوية يحدها من الشمال مزرعة الوليد بن طلال، وتقع ترعة الشيخ زايد جنوب مدينة توشكى على الجانب الشرقى منه. وبررت مصادر بهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، ارتفاع أسعار الوحدات، بأن هذا السعر هو سعر التكلفة في هذه المدينة البعيدة، لأن العمالة تأتي من محافظات بعيدة، فيما تفتقر محافظة أسوان للعمالة، كما أن جميع مواد البناء تأتي من القاهرةوالمحافظات الأخرى مثل السيراميك ومواد التشطيبات، مشيرة إلى أن مستوى تشطيب الإسكان الاجتماعي والمتوسط مقارب للغاية، لذا اقترب السعر بينهما. وأكدت المصادر التي رفضت ذكر أسماءها، أن جهاز المدينة فشل حتى الآن في بيع أي وحدة سكنية، لعدة أسباب أهمها أن المنطقة ليس بها أي تجمعات سكانية، ومن الصعب أن ينتقل للسكن بها أي من سكان أسوان، مضيفة أنه تم إنشاء المدينة لخدمة التجمعات الزراعية في المنطقة. وطالبت المصادر وزارتي الزراعة والري، بسرعة الانتهاء من تنمية الرقعة الزراعية بالمنطقة، لجذب المزيد من العاملين بالزراعة وبالتالي زيادة فرصة نجاح المدينة التي تكلفت مرحلتها العاجلة نحو 500 مليون جنيه، التي ضمت "نادي اجتماعي، مدرسة تعليم أساسي، وحدة صحية، سوق تجاري، مبنى الشرطة والمطافي، مجمع للمصالح الحكومية، مخبز". في المقابل تساءل الدكتور محمد شحاتة، أستاذ التخطيط بكلية التخطيط الإقليمي والعمراني بجامعة القاهرة، عن مبرر إنشاء "توشكى الجديدة"، والجدوى الاقتصادية والاجتماعية لإنشاء مدينة في عمق الصحراء لخدمة نشاط زراعي يعتمد في الأساس على التكنولوجيا الحديثة في الري والزراعة، وبالتالي فإن عدد العمالة منخفض، موضحًا أنه كان من الأفضل إنشاء تجمعات عمرانية صغيرة وليست مدينة جديدة، لافتًا أنها تصلح مناطق إيواء وليس سكن.