شعبة الدواجن: تراجع أسعار الفراخ البيضاء بنسبة 25% في الأسواق    بكم وصل الروبل الروسي.. أسعار العملات العربية والأجنبية اليوم الثلاثاء 3 يونيو 2025    محافظ الجيزة: رصف وتطوير أسفل الدائري بمنطقة كفر غطاطي أمام المتحف المصري الكبير    مجموعة لوفتهانزا الألمانية للخطوط الجوية تمدد تعليق رحلاتها من وإلى تل أبيب حتى 22 يونيو الجاري    أثليتك: مبيومو اختار الانضمام إلى مانشستر يونايتد    سكاي: برونو فيرنانديز لا يريد الانتقال إلى الدوري السعودي هذا الصيف    المنافسة مشتعلة في مركز الجناح.. غموض حول مستقبل عبد القادر مع الأهلي    طلاب الإعدادية في الإسكندرية يؤدون امتحان مادة الهندسة    حملات على الطرق والمحاور للكشف عن سائقي المركبات وحافلات المدارس متعاطي المواد المخدرة    ضبط مالك شركة "بدون ترخيص" لإلحاق العمالة بالخارج بالقليوبية    ضبط سيدتين بالجيزة لقيامهما بسرقة مشغولات ذهبية من طالبة بأسلوب "المغافلة"    تجهيز جثمان سيدة المسرح العربى بمنزلها ومديحة حمدى أول الحاضرين    التعليم: انطلاق فعاليات الحفل الختامي للدورة التاسعة لمسابقة "تحدي القراءة العربى"    فلسطين ترحب برفع عضويتها إلى «دولة مراقب» في منظمة العمل الدولية    لوبوان: ترامب ينجح في غزو القارة العجوز    رئيس أساقفة الكنيسة الأسقفية يهنئ السيسي بحلول عيد الأضحى المبارك    خالد عيش: الموقف المصري يخدم القضية الفلسطينية.. ومستمرون في دعمها حتى إقامة الدولة    براتب 24 ألف جنيه.. بدء اختبارات المتقدمين للعمل في الأردن (تفاصيل)    موعد مباراة الزمالك وبيراميدز فى نهائى كأس مصر    محمد مصيلحى يرفض التراجع عن الاستقالة رغم تمسك المجلس ببقائه    «السياحة» تعلن وصول 40.6 ألف حاج مصري إلى الأراضي السعودية    البورصة تربح 10 مليارات جنيه في مستهل تعاملات الثلاثاء    رفع درجة الاستعداد القصوى بالمنشآت الصحية بالأقصر خلال إجازة عيد الأضحى    بابا يعنى إيه زلزال؟.. نصائح للتحدث مع أطفالك عن الهزات الأرضية وطمأنتهم    درجات الحرارة اليوم الثلاثاء 3 يونيو 2025.. طقس ربيعي مائل للحرارة على القاهرة والمحافظات    غلق وتشميع مركز لجراحة المخ والأعصاب والعناية المركزة بقنا    اجتماع ثانٍ لأحفاد نوال الدجوى لمحاولة تسوية النزاع العائلي وإنهاء الخلاف القضائي    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 8 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    وول ستريت جورنال: هجوم المسيرات الأوكرانية يزعزع استراتيجية روسيا العسكرية    لوفتهانزا الألمانية تمدد تعليق رحلاتها الجوية من وإلى تل أبيب حتى 22 يونيو    وفاة الفنانة سميحة أيوب عن عمر يناهز 93 عامًا    تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياة سميحة أيوب «سيدة المسرح العربي»    توقعات برج الحوت في يونيو 2025.. شهر التجدد العاطفي والانتصارات المهنية    دار الإفتاء توضح الحكم الشرعي حول الزلازل: ليست انتقامًا من الله    مستشار الرئيس للشئون الصحية: مصر تشهد معدلات مرتفعة في استهلاك الأدوية    وجبة مشبعة للعيد.. طريقة عمل الحواوشي الإسكندراني (بنصف كيلو لحمة)    محافظ أسيوط يتفقد المركز الصحى الحضرى لمتابعة مستوى الخدمات الطبية    محافظ الأقصر يتفقد أعمال التطوير بمستشفى الكرنك الدولى    وزير الري يتابع الاستعدادات لعقد إسبوع القاهرة الثامن للمياه    الحج 2025 .. ماذا يقال عند نية الإحرام ؟    هل يجوز الاشتراك في الأُضْحِية .. الأزهر للفتوى يجيب    المجلس القومي للمرأة ومستقبل مصر يبحثان تعزيز تمكين المرأة الريفية اقتصادياً    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الثلاثاء 3 يونيو    تامر حسني: نفسي بنتي متدخلش الفن    «ياسين السقا» يحذف صورة مع والدته بعد خبر زواجها من طارق صبري    "عبدالغفار": شراكة إستراتيجية مع "إي هيلث" لإطلاق منظومة الصحة الرقمية القومية    مصطفى فتحي: كنا نتمنى تحقيق الثلاثية.. وإبراهيم عادل الأفضل في مصر    قرار عاجل من التعليم بشأن المدارس الرسمية الدولية lPS (مستند)    أسعار المأكولات البحرية والجمبري اليوم الثلاثاء 3-6-2025 في محافظة قنا    رئيس جامعة القاهرة: تقديم خدمات الكشف الطبي على أبطال مصر في ألعاب القوى    إيذاء للناس ومخالفة لأخلاق الإسلام.. دار الإفتاء توضح حكم ذبح الأضاحي في الشوارع    ماذا قدم الزمالك وبيراميدز مع بسيوني قبل نهائي الكأس؟    قرار مفاجئ من ياسين السقا بعد خبر زواج والدته مها الصغير من طارق صبري    البيت الأبيض: اتصال محتمل بين ترامب وشي الأسبوع الجاري    الحج 2025.. هل يجوز للمحرم إزالة شيء من شعره أو أظفاره أثناء إحرامه    «كل حاجة هتبان».. هاني سعيد يرد على رحيل إدارة بيراميدز والدمج مع مانشستر سيتي    أول تعليق رسمي من والي "موغلا" بعد زلزال تركيا    1400 طالب يوميًا يستفيدون من دروس التقوية في مساجد الوادي الجديد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



احترام الحد الأدنى من أي حاجة
نشر في التحرير يوم 07 - 05 - 2016

يبدو أن السلطة فى مصر وصلت إلى مرحلة مقلقة ومخيفة من عدم احترام الحد الأدنى من القواعد الحاكمة والراسخة، صحيح تمامًا أن مصر لم تشهد أبدًا نظامًا أو سلطة تحترم بالكامل الدستور والقوانين وقواعد اللعبة السياسية والرأى العام والوعى الجمعى، وصحيح أنه دائمًا يجرى توظيف كل النصوص والمواقف حسب الأهواء والتوجهات السياسية، لكن دائمًا كانت هناك حدود دنيا يجرى التوقف عندها، لكن يبدو أن هذه الحدود الدنيا حتى لم تعد متاحة أو موجودة الآن، أو انخفضت إلى مستويات لم نعرفها من قبل ولم ندركها بعد.

(1)
ترسانة القوانين المصرية المقيدة للحريات، التى يفترض أنها مناقضة لنصوص دستورية واضحة، كشفت بوضوح عن الوجه القبيح لطريقة استخدامها خلال السنوات القليلة الماضية، وبالذات فيما بعد 30 يونيو، خصوصًا أنه جرى التوسع فى إصدار المزيد منها، وربما قانونا التظاهر والإرهاب مجرد نماذج وأمثلة، وبالتأكيد ليس حديثنا هنا عن المتورطين فى أعمال عنف أو تخطيط لها أو مشاركة فيها بأى درجة، بل عن مواطنين مصريين شباب وكبار، رجال ونساء، بل وأطفال بكل أسف أحيانًا، ومعرفة كثيرين مننا بغالبيتهم تؤكد أن ممارساتهم الفعلية تأتى فى إطار التعبير السلمى تماما عن الرأى، حتى لو رآه البعض أحيانًا شططًا، يثبت الآن أنه لا يقارن بشطط السلطة فى ممارساتها وتجاوزاتها، منهم من صدرت ضده أحكام ومنهم من لا يزال ينظر فى أمره أمام المحاكم ومنهم من لا يزال قيد الحبس الاحتياطى ولم يحل إلى محاكمات، وآخر هؤلاء المجموعات الكبيرة التى قبض عليها من الشباب والطلاب بدءًا من 15 أبريل وحتى 25 أبريل وما بعدها، وصولا إلى أزمة القبض على عمرو بدر ومحمود السقا من قلب نقابة الصحفيين ثم بعدهما مالك عدلى وزيزو عبده.
المشكلة الحقيقية هنا ليس فقط أنه يجرى توظيف القانون فى تكييف اتهامات كفيلة بسجن هؤلاء وتوقيع عقوبات ضدهم، كما جرى بالفعل، وليس أنه لا برلمان يراهن عليه فى منع هذه المشكلة من جذورها بتعديلات تشريعية عاجلة وواسعة تتسق مع نصوص الدستور الحالى، وليس أن هذا التكييف القانونى يبدأ عادة من تحريات ومحاضر أجهزة أمنية يبدو أن ما جرى معها فى ثورة يناير لم يجعلها تكتسب سوى المزيد من الخصومة والعداء مع القوى السياسية والشبابية، بدلًا من أن تستفيد من هذا الدرس بشكل مختلف خصوصًا بعدما بدا من فرصة تاريخية فى 30 يونيو، لكن ما هو أخطر وأكبر، أن ذلك كله وغيره لم يعد يجرى فقط بمنطق الإسكات أو الوقف المؤقت أو الإخماد اللحظى، بل يمتد إلى درجة الانتقام المرعب، الذى بلا حدود، وإذا لم يمكن بالقانون فإنه يتم خارجه، بل والأفدح أننا مؤخرًا بدأنا نشهد محاولات تحويل ما يمثل انتهاكًا واضحًا للدستور وللقانون وحتى للأعراف إلى أنها أمور قانونية تمامًا!!
(2)
موقف السلطة الحالية من الديمقراطية والحريات واضح تمامًا، ولكنه ليس فقط مماثلًا للأنظمة السابقة، بل إنه موغل فى عمقه بحكم تركيبة السلطة الحالية، وبحكم اعتبارها أن الانفتاح السياسى وهامش الحريات الذى جرى انتزاعه فى السنوات الأخيرة من عهد مبارك وصولًا إلى تزايده واتساعه بعد ثورة يناير، هو نفسه السبب فى حالة السيولة والفوضى التى تعيشها الدولة.. هذه قناعة حقيقية وراسخة لدى من يحكموننا الآن، لذا فإن الإشارات الدائمة الواردة عن تسبب السنوات الخمس الماضية فى ما وصلت إليه الدولة، لا يكتفى بل وربما لا يتحدث أصلًا عما كان عليه الحال قبلها، لكن حتى عند الإشارة إليه فإن تحميل المسئولية يصل إلى السنوات الماضية، والسبب الجوهرى هنا هو الموقف الراسخ من الديمقراطية والحريات.
لكن حتى هذه الخصومة مع الديمقراطية والحريات بشكل عام، يفترض أن يكون لها حدود، فالمسألة ليست فقط ألا تكون ضمن أولويات المرحلة كما ترى السلطة، وتطرحها دائمًا باعتبارها قضية مؤجلة تتم على سنوات طويلة وبعيدة، وإنما هناك فعليًّا إجهاض لأى فرص لها ولو فى المستقبل، فمن إماتة السياسة إلى حصار الأحزاب إلى صناعة البرلمان إلى اتهام منظمات المجتمع المدنى إلى الانقضاض على النقابات، ومن تشويه كل النخب وكل الشباب المنتمين إلى يناير إلى التشريعات والقوانين التى صدرت على مدار الأعوام الماضية، ومن اختزال الدولة إلى مؤسسات بعينها ومن المؤسسات إلى الفرد.
ولم يبدُ كل ذلك كافيًا، فمع أول موجة لحراك وطنى ديمقراطى يلقى درجة من التعاطف الشعبى، على خلفية قضية جزيرتى تيران وصنافير، جرى استخدام كل الأدوات القمعية وبدرجة لم يسبق لها مثيل، وبتوالٍ وتتالٍ مذهلين، فمن فض مظاهرات وحملات قبض أمنية، إلى القمع الشديد يوم 25 أبريل، ثم أزمة اقتحام نقابة الصحفيين، ومرورًا بالقبض على صحفيين ومحامين ومهندسين وأطباء وطلاب، بل ونسب تهم الإرهاب وقلب نظام الحكم وإسقاط الدستور لبعضهم، فضلًا عن استخدام أدوات مثل حظر النشر والحبس الاحتياطى الطويل والكفالات شديدة الكلفة للبعض، وحتى يصل الأمر مؤخرًا إلى توقيف واحتجاز عضوة بالمجلس القومى لحقوق الإنسان فى مطار القاهرة لبضع ساعات قبل تركها لحال سبيلها.. وهى كلها مؤشرات تشير إلى أنه لا احترام ولا وزن لأحد لدى هذه السلطة، أيًّا كان موقعه أو مهنته أو مكانته، ومهما كان توجهه أو سبله للتعبير عن رأيه، وهنا تحديدًا يتضح أنه حتى الحدود الدنيا التى كان يتم احترامها سابقًا فى عهود سابقة رغم تجاوزها أحيانًا، صارت القاعدة الآن أن يتم كسرها وتجاوزها أكثر!
(3)
لا يبدو أن الحدود الدنيا التى يتم تحطيمها تتوقف عند حدود القضية الديمقراطية، بل تمتد إلى قضايا أخرى متعددة، فلم يجرؤ أى نظام سابق مثلًا على اتخاذ قرار مثلما شهدناه بخصوص قضية تيران وصنافير اللتين ظلتا محل نزاع ومطالبات طويلة ودائمة من السعودية، وربما شهادات بعض الدبلوماسيين والقانونيين والخبراء السابقين والحاليين تكشف بوضوح عن ذلك، فضلًا عن الطريقة التى أدير بها الأمر والإعلان عنه وظروفه السياسية والداخلية والإقليمية والاقتصادية، ثم أضف إلى كل هذا الطريقة التى أدير بها الأمر مع المختلفين معه شكلًا ومضمونًا.. كما أن (الإجراءات المؤلمة) التى يبشرنا بها منذ فترة رئيس الحكومة هى عمليًّا تعبير عن سياسات اقتصادية كان فريق التوريث يحلم ويطمح بالوصول إليها، ومع ذلك لم يجرؤ أى منهم على الوصول إلى هذه الدرجة من الحديث العلنى فضلًا عن التطبيق الفعلى لها.
ثم إن الالتزام بقواعد تمثل الحدود الدنيا لا تقف عند هذا الحد، فمن انتهاك واضح ومعلن للدستور ونصوصه، وللقانون وتأويلاته، إلى السياسات الاقتصادية والاجتماعية، فنحن حتى أمام ممارسات فعلية صار يعلن عنها جهارًا نهارًا دون خشية، رغم مخالفتها حتى لما تعلن الحكومة نفسها الالتزام به.. فرغم أن الحكومة أعلنت فى برنامجها أحد المحاور السبعة عن (دور رائد على الصعيدين الإقليمى والدولى)، بينما فى أدنى توصيف ممكن نجد غيابًا وتغييبًا لمصر فى كل ملفات المنطقة، ونجد امتهانًا لدور وقيمة ومكانة مصر، ودعنا من الكثير من التفاصيل التى يغنى عنها تمامًا التصريح الأخير لوزير الخارجية بنفسه في أثناء جلسته مع نواب البرلمان وعدد من لجانه، بقوله حسب ما نشر على لسانه ولم يصدر أى تصحيح أو توضيح له أن (مصر ليست رائدة ولا نريد أن نكون روادًا لأحد لكن مصر لها قدرات، لذلك نريد أن نكون شركاء بشكل يحفظ المصالح المشتركة)!!
(4)
من لا يدرك أهمية الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان فى منظمة بناء وتحديث وتدعيم الدول الوطنية الحديثة، لا يمكنه أن يحدثنا عن الحفاظ على تماسك الدولة وهيبتها وقوتها.
ومن لا يدرك قيم المساءلة والمحاسبة والاعتراف بالأخطاء ومراجعتها، لا يمكنه أن يحدثنا أو يدعونا إلى التوافق على ما مضمونه فعليًّا قبول الاستبداد والظلم والتغول.
ومن لا يعى خطورة السياسات الاقتصادية والاجتماعية الحالية على عموم المصريين وفقرائهم وبسطائهم، فضلا عن الصدام الخفى بهذه السياسات والتحكم فيها مع قطاعات حتى من الطبقات الوسطى والعليا وحتى رجال الأعمال وأصحاب المصالح الاقتصادية، لا يمكنه إنجاز تقدم اقتصادى حقيقى حتى لو أنجزنا عشرات ومئات المشروعات التى يقال عنها دائمًا إنها قومية وكبرى.
ومن لا يحترم الدستور والقانون يخل بمبادئ رئيسية لازمة وواجبة للحد الأدنى من العيش المشترك والتوافق والقبول المجتمعى الآخذ فى التراجع والانهيار لدرجات خطرة، لا يمكنه أن يدعونا إلى الاصطفاف وعدم الخلاف ويحدثنا عن وحدة الصف.
ثم إن من يخترق ويكسر حتى الحدود الدنيا للقواعد المتعارف عليها، لا يمكنه إلا توقع أن تتحول الأمور ولو بعد حين إلى حدود أقصى وأعلى مما يمكن تصوره.
من يسدون المنافذ السياسية والسبل الديمقراطية لن يتركوا للشعب سوى خيارات صعبة ومرة لا يريد أحد اللجوء إليها ولو مضطرًّا.. لكن الدروس قريبة والتاريخ واضح لمن يرغب فى قراءته وفهمه حقًّا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.