في الطريق من قرية تلوانة (إحدى قرى المنوفية) إلى القاهرة، حيث تم حشد جماعة من مؤيدي الرئيس مرسي للتوجه إلى ميدان رابعة العدوية لمناصرته. أخذ الحاج "سيد رزق" ينظر من شباك الأوتوبيس متذكرًا أياما خلت، تذكر الحاج سيد أيام شبابه وقت أن كان يلقب ب"جعوره"، حينما كان يعمل "نباطشي" أفراح – و النباطشي لمن لا يدري هو الشخص المسؤول عن إدارة الميكرفون في الفرح هو من يرحب بعلية القوم الوافدين للفرح و هو من يردد السلام و التحية لمن "ينقط" العرسان-. "سيد رزق" هو رجل خمسيني، أمضى ثلثي عمره في الأفراح، وفي النصف الثاني من التسعينات عقب وفاة أخته والتي ربته, حزن سيد و دخل في دوامة حزن غير منتهي، لم يجد ما يفرج كربه سوى الفرار إلى الله و اللجوء إليه. عرف سيد طريق المساجد واعتادها، وهناك التقى بشباب ملتزم، حدثوه عن الدين وأعطوه شرائط حسان ويعقوب. انغمس في الشعائر وأطلق لحيته وارتدى الجلباب الأبيض ، طلّق مهنته بالثلاثة، ساعده "الأخوة" على فتح كشك يقتات منه لقمة عيش حلال عوضًا عن مال الأفراح الحرام. وبعد ستة أيام من اندلاع الثورة مر عليه الأخوة، حدثوه عن الوطن وعظمة الثورة ووجوب تغير الحاكم الفاسد، طالبوه بأن يصحبهم إلى ميدان التحرير، وخبّروه أنه لن يتحمل نفقات السفر وذكروه أن كل خطوة من قريته إلى التحريرهي فى سبيل الله "فقط أخلص النية يا عم سيد" هكذا أكدوا عليه. في ميدان التحرير التقى سيد صنوفا شتى من البشر، شباب يطيل شعره و بنات ترتدي ما حسبه يغضب الله – لكنه وجدهم شبابا طيبا وابن حلال، فضلا عن أن الشيخ حدثه عن وجوب وحدة الصف. "اليوم آن أوان توظيف صوتك الجهوري لطاعة الله، بعد أن أمضيت سنينا تستخدمه لعصيانه " هكذا قال له شيخه و مسؤوله مذكرا إياه بلقبه القديم "جعوره" حينما كان نبطشي أفراح – صار سيد أحد مسؤولي هتاف الميدان وكم كان سعيدا وهو يهتف ضد مبارك ويردد الناس خلفه. تنحى مبارك، وعاد هو لقريته منتش بانتصاره ومحملا بذكريات عدة و صداقات جديدة مع شباب لم يكن ليلتقيهم سوى بالتحرير, أين كان من الممكن أن يلتقى "داليا" أستاذة الأدب الإنجليزي بالجامعة الأمريكية سوى فى يوتوبيا الثمانية عشر يوما؟. ومع تولي المجلس العسكري الحكم وتصاعد الخلاف بينه و بين القوى السياسية على عقد الانتخابات البرلمانية وإشكالية الدستور أولا – وجد سيد من يطرق بابه مساء و يخبره أنه بعد ثلاثة أيام سوف نتوجه للتحرير مرة أخرى لنصرة الشريعة فيما عرف إعلاميا باسم جمعة قندهار – وهناك هتف ما أملوه عليه – ووجد نفسه يهتف ( يا مشير يا مشير من النهاردة انت الأمير) حتى دون أن يفهم لماذا تحول المشير إلى أمير وإن كان مقتنعا أن ذلك هو عين الصواب طالما طالبه المشايخ به و بعد عام من اندلاع الثورة، ساقوه مرة أخرى للتحرير- "غدا نذهب للاحتفال بثورتنا المباركة يا عم سيد- ايه مش عاوز تفرح معانا يا راجل يا طيب" تلك كانت كلمات أخوة الإيمان له قبل التوجه للقاهرة- يتذكر عم سيد كيف أنه فى هذا اليوم وجد نفسه فى جانب وأصدقاء الميدان في جانب آخر – لم يفهم سيد لماذا تنظر إليه "داليا" والتي لطالما حنت عليه أيام الثورة الأولى بكل ذلك الغضب – وإن كان لم يكف عن ترديد الهتاف المتفق عليه (إيد واحده / إيد واحده) ردده عن قناعة تامة وإيمان بالغ به "ألم نتشارك كلنا في خلع الطاغية" هكذا حدث نفسه لم تمض أسابيع كثيرة إلا ووجد سيد نفسه مرة أخرى بالتحرير، لكن اليوم يهتف (المشير بيهيس عاوز يبقى ريس) ذلك عقب انتهاء شهر العسل بين المرشد و المشير . لم يفهم سيد كل تلك التقلبات وكيف يهتف اليوم ضد من كان ينادي به أميرا بالأمس!! فاق سيد من غفوة انتابته لينظر من شباك الأوتبيس ويجد أنهم في شبرا الخيمة. حينها تذكر ليلة إعلان الفائز في انتخابات الرئاسة و كيف أنه في تلك الليلة طلب من السائق أن يتوقف أمام بقالة "الشريف" ليشتري عصيرا لكل من في الأوتوبيس على حسابه قائلا "ندر عليا لو مرسي كسب لاسقيكم كلكم شربات" وأمضى الليلة كلها في الميدان يهتف باسم مرسي الرئيس حتى قبل أن يعلن رئيسا. اليوم في رابعة العدوية يجد "جعوره" نفسه مطالبا بالهتاف ضد الصليببن الكفرة أعداء الدين ... اليوم يجد سيد نفسه للمرة الثالثة مطالبا بهتاف مناقض لهتافه بالأمس ... اليوم تحولت (ايد واحدة - ايد واحدة) لتصبح (يا الله يا الله - أهلك حمدين واللى معاه) مازال سيد يقطع نفس المشاوير في نفس الأوتوبيس. الفرق أن سيد نفسه لم يعد يفهم هو مع من وضد من؟ حتى أنه لم يعد واثقا هل هو سيد أم جعوره؟!