خبر صغير علي قناة الجزيرة في حدود الثالثة عصرا يؤكد ان طائرة هليكوبتر هبطت في محيط القصر الرئاسي ، هتفت في زملائي و كنا وقتها ما زلنا نعمل في موقع الدستور الاصلي قائلا : " مبارك هيمشي النهاردة " لم يلتفت زملائي لما اقول ، فربما اعتقدوا ان الاحلام هي التي تحركني ، فعدت لاؤكد من جديد " مبارك هيمشي و الطيارة دي هتنقله خارج القاهرة " . لا اعرف لماذا لم استطع تفسير خبر الطائرة التي هبطت بداخل القصر الرئاسي الا انها نهاية وجود مبارك في القصر كرئيس لمصر ، انهمكنا بعد هذا الحوار القصير في العمل و انتهيت من عملي و خرجت بصحبة عدد من الزملاء في طريقنا الي " نقابة الصحفيين " ، و قبل ان نصل الي النقابة و في شارع " شامبليون " بالتحديد وجدنا تجمعا كبيرا حول جهاز التيلفزيون بأحد المحلات ، فتوقفت مع الزملاء نشاهد ما يحدث فوجدنا بيانا قصيرا لعمر سليمان نائب الرئيس المخلوع و هو يعلن " تنحي الاخير عن الحكم . لم افعل شيئا سوي القفز في الشارع فرحا مثل الطفل الصغير ، و قد تحررت من كل مشاعر التحفظ ، و ظللت اهتف وحدي " تحيا مصر " ، عدة دقائق مرت و انا اردد نفس الهتاف وحدي ، التف حولي عشرات الشباب الذين لا اعرفهم و هم يرددون معي " تحيا مصر " و قد استلم الشباب مني الهتاف ليطوروه اكثر مرددين الهتاف الشهير في هذا اليوم " ارفع راسك فوق انت مصري " . تراجعت فورا من اتجاه نقابة الصحفيين الي اتجاه ميدان التحرير ، الفرحة تعم الشوارع ، الشباب يحتضن بعضه البعض ، هتاف تحيا مصر تردده كل الحناجر ، العاب نارية تنطلق في الهواء ، يرتفع صوت الغناء الوطني من بلكونات المنازل في المسافة ما بين شارع شامبليون و ميدان التحرير ، وصلت لميدان طلعت حرب ، حيث الاف الشباب يتجمع اسفل مقر حزب التجمع ، و قد اخرج الحزب مكبرات الصوت الي البلكونات ، صوت الاغاني الوطنية يعلو ، صوت الفنانة الجميلة شادية يتردد و يحرك وجدان الاف الواقفين " يلا بلادي يا احلي البلاد يا بلادي " ، اتقابل فجأة مع ابن شقيقي الصحفي الشاب محمود بدر ، و معه ابن شقيقتي ، نحتضن بعضنا بقوة و نغني بأعلي صوتنا مع الاف الشبان " اصله معداش علي مصر ، يا حبيبتي يا مصر " ، نستكمل سيرنا – نحن الثلاثة الي ميدان التحرير – نشعر اننا نطير ، الالاف يحتشدون في شارع طلعت حرب حتي مدخل ميدان التحرير ، غناء و هتاف ، و في مدخل الميدان الذي دخلناه بصعوبة بالغة بسبب التزاحم نجد حلقات من الشباب ، الجميع يغني و يرقص و يهتف ، الايادي متشابكة ، المح في وسط هذه الحشود الكبيرة وجوها اعرفها جيدا ، فهذا هو الزميل الصحفي محمد فوزي ، و هذا هو الزميل و الصديق طارق سعيد الصحفي بجريدة الكرامة ، الفرحة توحد كل هؤلاء ، لمدة ساعتين او اكثر لم نفعل الا الهتاف و الغناء و التعبير عن الفرحة الغامرة ، تحيطنا الاحلام التي لا سقف لها ، قررنا ان ننتقل فورا – انا و محمود و ابن شقيقتي – الي بلدتنا الصغيرة في محافظة القليوبية لنحتفل مع اهلنا و اصدقاء العمر ، نشاركهم فرحة تحرر مصر ، طوال الطريق لم نسكت لحظة واحدة ، حديثنا كله عن الاحلام القادمة ، عن مصر التي ننتظرها ، عن الوطن الجديد الذي ارتسم في خيالنا مع لحظة اعلان التنحي ، الا ان هتافا ظل يلازمني طوال رحلة عودتي الي مدينتي ، هو آخر هتاف التقطته اذني و انا اخرج من ميدان التحرير ، فقد فرد الحلم اجنحته في هذه اللحظة التاريخية فهتف الشباب المصري الجميل " هنشتغل و هنتجوز " .. وما زالت ذاكرتي تحمل الهتاف كلما مر يوم 11 فبراير ، و ما زال الشباب يحمل نفس الحلم " هنشتغل و هنتجوز " حلم و حق و طموح لم يتحقق ، لذلك فما زالت الثورة تستكمل طريقها .