هكذا تحدث الشرير: الميزان خالد البرى

1
لو وضعت كيلو برتقال فى الكفة اليمنى للميزان وكيلو حديد فى الكفة اليسرى سيتوازن. ماذا لو وضعت كيلو الحديد فى الكفة اليمنى، وكيلو البرتقال فى الكفة اليسرى، هل سيتوازن؟
والسؤال بصيغة أخرى: هل تتغير «أوزان» الأشياء بتغير الناحية التى نضعها فيها من الميزان؟
2
فكِّرى فى المهارات المتعلقة بخلق الأموال. العملية العقلية التى تجعل بعض الناس قادرين على رؤية الفرص السانحة وعلى اقتناصها. وقادرين على إدراك مواهب أنفسهم وتشغيلها، وقادرين على دفع أنفسهم فوق الكسل والخمول والتفكير فى المأمون والشائع.
حين تتجمع هذه المهارات فى حزمة، وتشكل قيمة، (كيلو برتقال)، فيجب أن نعتبر أنها تستأهل وزنها ذهبا. بغض النظر عن كفة الميزان التى نضعها فيها.
3
لماذا لو استأجرت عاملة فلبينية لتنظيف بيتك سترين البيت نظيفا مرتبا. ولو لمتِها على تقصير ستشعرين فى جهها بندم وحزن حقيقيين لدرجة أنك ستتوقفين عن لومها شفقة بها. بينما من الصعب أن تستأجرى عاملة مصرية -بداية- ولو حدث فسوف تحصلين على عمل متوسط فى أغلب الأحيان، وجيد أحيانا، وسيئ أحيانا. فإن لمتيها توقفت عن المجىء، أو تحججت بألف حجة، وقدمت ألف مبرر، أو ابتسمت، وقالت لك: «كل سنة وانت طيبة يا هانم، أنا والله واخدة أربع مواصلات علشان آجى هنا».
لماذا يرسل لك الصحفى المصرى أسئلة لكى تجيبى عنها، ويطلب منك صورة، ثم يعتبر أن هذا حوار صحفى متكامل. مش ناقص غير يقول لك الإنترنت عندى مش شغال كويس، ممكن تبعتى الأسئلة والإجابات والصورة من عندك على إيميل الجريدة.
لماذا ينتحر رئيس مجلس إدارة فى اليابان لو قصَّر فى عمله؟
4
لأن هؤلاء ينظرون إلى كفتى الميزان نفس النظرة. هذا أولا. ويعرفون أن الأفعال تكتسب أهميتها من قيمتها الذاتية ومن النفع الذى تعود به. وليس من المكان الذى تركهم آباؤهم فيه. قيمة العمل، كسب الرزق لمن تعول، إحداث الرخاء فى البلد، ذروة سنام القيم.
5
مهارات «خلق الأموال» يجب أن تأخذ مكانها الجدير بها وسط حزمة الفضائل، وأن نتوقف عن الحرب الدعائية المتخفية ضدها، وأن نشجع الناس على الشراء منها، وعلى البذل لحيازتها. لأنها قيمة تفتح الباب لكثير من الخير فى المجتمعات. تعليما ورفاهية وتنمية مهارات وفرص عمل وإتاحة أسباب للسفر والاطلاع على الدنيا.
هى خلق حميد إذن؟ أى أذى «يتعلق» به ليس نابعا منه.
بل نابع من غياب القانون والشفافية والمحاسبة. نابع من الرشوة والاستعداد لقبولها. وبمعنى آخر: نابع من تفريطنا فى إدانة تلك القيم أيضا. كما لا نركز على تمجيد قيم العمل. نحن نركز فقط على ما «خف جهده وكثرت حسناته». على التمتمات. على الصلوات. على «الامتناع عن فعل كذا» وليس عن «فعل» كذا. هل يستوى الذين يفعلون والذين «لا يفعلون»؟
6
والغريب العجيب أننا نتصرف بما يوحى أننا فى أعماقنا ندرك ما للقدرة على خلق المال من قيمة عظيمة. لكننا لا نريد أن نقر بها. دليلى أننا نحترم الأغنياء فى اللقاءات المباشرة أكثر مما يجب، ونلعنهم فى غيابهم أكثر مما يجب. حسنا. يجب أن نقر بما ندركه فى أعماقنا. هذا مهم. لأنه يوفر سندا معرفيا وقانونيا يفتح الطريق أمام الاجتهاد والاستثمار وخلق الأموال بدل أن يغلقه على الجميع. ويتعامل مع الأذى المتعلق به بما يستحق، بدل أن يقطع الطريق على الرحلة من بدايتها. يجب أن نتعلم شكر من يستطيعون خلق الأموال، لأنهم يبذلون من أوقاتهم ويخاطرون بثرواتهم لكى يعوضوا تكاسلنا، وجبننا عن المغامرة، وافتقارنا إلى المهارات التى تحدث الرخاء.