"دى عيال مش بتاعة شغل" "كلهم عايزين يشتغلوا مديرين" ومثلها أساطير أخرى يتم تداولها فى سوق العمل فى مصر حول شباب الموظفين عن "أخلاق" الجيل الجديد ومقارنته بأجيال أكبر تعرف قيمة العمل حتى وإن كان إنجاز هذه الأجيال الأكبر هو ترتيبنا المتأخر فى العالم فيما يخص العمل والتنمية... بعد عقد كامل من دخول الميلنيلز -جيل الألفية/ مواليد بداية الثمانينيات من القرن العشرين وحتى 2004- إلى سوق العمل لاحظت شبكة برايس واتر هاوس كوبرز PWC أن أعدادا متزايدة من أصغر موظفيها سنا يتركون العمل بعد سنوات قليلة من بدء عملهم بها، الأهم هو ما لاحظته برايس واتر هاوس كوبرز من أن هؤلاء الموظفين الشباب بدا عليهم أنهم غير مكترثين للمسارات الوظيفية التقليدية المعتادة فى سوق العمل وقتها. حين نعرف أن برايس واتر هاوس كوبرز هى واحدة من الشبكات الرائدة فى مجال الاستشارات المالية فى العالم وأن عدد موظفيها يزيد على 280 ألف موظف فى 157 دولة وأنها من أفضل الشركات الجاذبة للعمالة فى العالم ودخلها زاد على 35 مليار دولار فى 2015، يمكننا أن نعرف بسهولة أن العمل بها حلم للأغلبية من المتخصصين فى هذا المجال، ولكن يبدو أن هناك تغيرا ما يحدث فى ثقافة وسلوك الموظفين صغار السن. "فرى لانسر"/ موظف حر/ موظف بالقطعة هى ما يكتبه العديد من الميلنيلز فى خانة الوظيفة على البروفايل الخاص بهم على وسائط التواصل الاجتماعى، لماذا؟ هل لأنهم لا يجدون عملا أم أن بعضهم يفضل هذا؟ الميلنيلز سيكونون أصحاب أدوار البطولة فى مشاهد المستقبل على المدى القريب والمتوسط كما كتبت فى مقالى السابق "الميلنيلز.. أبطال المستقبل" لذلك فكما يليق بمن يهتمون بما يحدث ومن يهتمون بالمستقبل، بدأت برايس واتر هاوس كوبرز فى 2008 دراسة التغير البادى فى سلوك الموظفين وطريقة تفكيرهم وأصدرت دراسة أولية عنوانها "الميلنيلز فى العمل.. إعادة تشكيل مكان العمل"، لاحقا وبالتعاون مع جامعة كاليفورنيا الجنوبية ولندن بيزنس سكول بدأت برايس واتر هاوس كوبرز دراسة هى الأضخم فى هذا الشأن لتشمل 44 ألفا من موظفيها كعينة ممثلة ل180 ألف موظف على كل المستويات الوظيفية حول العالم بما فيه شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وصدرت فى 2013 بعنوان "الجيل القادم: دراسة جيلية معولمة" الهدف كان إيجاد إجابة عن سؤال لماذا يختار هذا الجيل من الموظفين أشكال ومسارات عمل غير مألوفة؟ وأيضا كيف يجب أن تتغير بيئة العمل والمؤسسات لتواكب هذا التغيير فى سلوك موظفيها الصغار. "احتياجات العمل المتزايدة لا تستحق التضحية بالحياة الشخصية فى المقابل" كانت هذه هى النتيجة الأولى التى خرجت بها الدراسة، المكافأة أو الترقية قى المستقبل ليست أولوية إن كانت ستجور على الاستمتاع بالحياة الآن، هذا ما يؤمن به أغلب الميلنيلز: الحياة مُقدمة على العمل، بلا صراخ وقيم بطولية موهومة وشعارات، هذا ليس أفضل أو أسوأ من أجيال سابقة، هى فقط قيم تتغير ومعها طرائق تفكير وسلوك، واستجاب العديد من المؤسسات الكبرى والشركات متعددة الجنسيات للفكرة وبدء التفكير فى كيفية إيجاد التوازن بين احتياجت العمل والحياة داخل العديد منها. ويبدو أنه بالنسبة للميلنيلز وجود ثقافة عمل تهدف إلى إدماج الجميع فى عمل جماعى كفريق واحد، وإيجاد فرص غير تقليدية للعمل فى مجالات متعددة ومهام خارج أماكن العمل التقليدية أسباب أساسية للسعادة فى العمل والاستمرار فيه، العمل الجماعى أولوية، فالبطولة جماعية، والشفافية مقدرة، المساهمة الحقيقية فى التفكير والتخطيط قبل التنفيذ مطلب هام، ربما توجد هذه المطالب فى أماكن العمل للأجيال الأكبر ولكنها ليست بنفس الدرجة أو الكثافة، هذا بعض ما خرجت به الدراسة. فى بيئة عمل تقليدية -وأحيانا منفرة- فى مصر، يبدو فهم كيف يتغير شكل قوة العمل وقيمها وسلوكها أساسيا بدلا من ترديد وإعادة إنتاج هذيان عن "العيال أم بنطلونات ساقطة" أغلب ما يتم تداوله غير صحيح ولا يسمح للشركات والمؤسسات بالاستفادة الحقيقية من موارد بشرية كبيرة قادرة على خلق ميزة تنافسية لهذه المؤسسات. ما يقرب من 20% من العينة فى الدراسة كانت على استعداد للقبول بمرتبات أقل وترقيات أبطأ فى مقابل ساعات عمل أقل أسبوعيا، خلق بيئة عمل قادرة على مواكبة المتغيرات، مرنة تستوعب التنوع فى قوة العمل، قواعد عمل تسمح بالاستفادة من أنماط مختلفة من الموظفين كانت دروسا أولى تتعلمها الشركات ومعها أهمية استخدام التكنولوجيا ليس على سبيل الاستعراض أو زيادة "مراقبة" الموظفين ولكن لزيادة المرونة والكفاءة، الشفافية، العمل الجماعى، شروط أساسية لأماكن عمل ناجحة قادرة على جذب الكفاءات. استثمار الوقت والطاقة والموارد للاستماع ولفهم قوة العمل الجديدة شرط أساسى للمؤسسات التى تريد أن تنجح فى المستقبل. هذا ينطبق على الدول أيضا، إن كان أحد يريد أن يسمع.