مغامرة: صلاح لبن تصوير/ حسام بكير الزمان: الخميس 18 فبراير 2016 المكان: بريمة سوزر الأجواء: سرعة الريح: 10 : 12 عقدة ارتفاع الموج: 1 : 2 قدم اتجاه الريح: جنوبية غربية عالم لا يعترف إلا بالنجاح، وحياة رغم قسوتها إلا أنها تحمل العديد من الذكريات المبهجة لأصحابها، ففي منطقة تبعد عن اليابس، وتحيطها مياه البحر من كل جانب، يمارس عمال البريمة «زوسر» مهام البحث عن الذهب الأسود، فداخل تلك المنشأة البحرية يعيش 80 عاملا بمجال البترول فى منطقة تتوسط خليج السويس، لهم عالمهم الخاص، الذى خلقوه لأنفسهم أو لنقل خُلق لأجلهم، تتناول "التحرير" في الحلقة الثانية حكايات أبطال رحلتنا، التي دائما ما تنتهى بضحكة، أو تنهيدة شوقًا للأهل والأحباب.. المال ليس الحافز الوحيد للعمال بدأت رحلتنا فى الخامسة صباحًا، إلى منطقة رأس غارب بمحافظة البحر الأحمر، قاصدين بريمة سوزر، وحقل حفر شركة الفنار للبترول، التى تقع على بعد 9 كيلو متر من المرسى، استمعنا لروايات عن عالم ذا طبيعة خاصة، حتى أصبحنا على بعد أمتار قليلة منه للتفتيش فى تفاصيله الدقيقة. تحدث الدليل، الذى قضى أكثر من نصف عمره وسط عمال البريمة، عن الخواجة الذى علمه، عندما كان طالبًا، وكيف أجبره على التدريب دون الحصول على إجازة، وكيف أن المهنة تضم عددًا كبيرًا من المصريين المتخصصين، الذين أبهروا الأجانب بالمعرفة التى يمتلكونها عن هذا العمل الدقيق. البعض يعتقد أن المال هو الحافز الذى يدفع العاملين بمجال البترول للارتباط بأعمالهم، وهم اعتقدوا ذلك أثناء فترة دراستهم فى الجامعة، لكن كشفت الرحلة أن هناك ما هو أبعد من المقابل المادى، الانتماء للوظيفة، المكان، والذكريات، فهم يمثلون العنصر البشرى الذى يرتقى بالعمل، وتتوافر لهم كل السبل التى تسحبهم إلى هذا العالم، دونما تفكير فى الأحداث التى تقع خلفهم. كيف تتحمل زوسر الظروف المناخية الصعبة توقفنا عند منطقة تصاريح الدخول، لم تمر دقائق حتى انتهت الإجراءات، ثم صعدنا إلى الناقلة الموجودة فى خليج السويس، التى تستغرق 45 دقيقة كاملة للوصول إلى بريمة زوسر، حيث المركب الذى سينقلنا إليها. وصلنا إلى البريمة التى تصل قوتها إلى 2500 بور، وتعمل ببئر عمقها 10300 قدم، ما يعادل 3200 متر تقريبًا، وللوصول إلى هذا العمق لا بد من إنشاء مسار للزيت لإخراجه من باطن الأرض إلى مستودعات التخزين "التنكات"، ومن أجل ذلك لا بد من عمل فتحة وهى البئر، لا يتم حفرها إلا بعد اتباع إجراءات حفر جيد وآمن واقتصادى. كل شركة بترول تمتلك قانون صادر خصيصا لها بواسطة الهيئة العامة للبترول، حيث يعرض على مجلس النواب ويعتمده رئيس الجمهورية، ويوفر للشركة حقوقًا وواجبات، مثل إدخال معدات حفر معفية من الجمارك، لكنها تخضع للرقابة؛ للتأكد أنها تعمل فى المكان المحدد لها. 4 مراحل للوصول إلى البترول يلتزم عمال البريمة بتعليمات أساسية منها الحفاظ على الأمن الصناعى، حتى لا ينتج حوادث ميكانيكية أو بشرية، والوصول إلى بئر قابلة للاستخدام تؤدى وظيفتها، ينقل البترول من تحت الأرض إلى أعلى، بواسطة أجهزة الحفر، التى تبدأ بنظام التعليق، حيث يتم إلقاء المواسير تحت المياه ورفعها. أما المرحلة الثانية تسمى نظام "التدوير"، حيث تدور البريمة أثناء الحفر، وتخرج أجزاء من التربة، يتم طردها خارج البئر، بعد ذلك يستخدم نظام الهيدروليك للحفاظ على ضغط البئر أثناء عملية طرد التربة، كل هذه الأنظمة بحاجة إلى "طاقة" وهو يمثل النظام الرابع. صعدنا إلى البريمة، التى تعلو سطح الماء ب300 متر، بواسطة أحد الأوناش، ممسكين ببعض الحبال، فلا مجال للخطأ حتى لا تصبح تكلفته الحياة، هبطنا أخيرًا على سطحها، بعدها انتقلنا إلى غرفة لتسجيل البيانات، وتعرفنا على المنطقة التى نقصدها فى حالات الخطر، بعدها ارتدينا خوذة رأس، وملابس خاصة تطبيقًا لإجراءات السلامة والأمان. تسجيل البيانات وبداية العمل وصلنا أثناء عملية "التخريم"، حيث يتم استخدام متفجرات موضوعة فى ماسورة تحمل طلقات حتى تخرم مواسير البئر قوتها، وقوة الطلقة 22000 رتل/ البوصة المربعة، قمنا بملء استمارة صحية، وبعد الانتهاء من إجراءات الأمان، توجهنا نحو غرف النوم الخاصة بالعمال، وجدنا تعليمات بعدم إزعاج العامل أثناء الراحة، فى كل غرفة 4 أسرة، وتوجد ستارة فى كل واحدة لتعزل العامل عن الغرفة، كل مكان فى البريمة مصنوع بعناية شديدة. "البريمة مثل جسم الإنسان، كل أداة تقوم بدور حيوى، فالترومبات مثل القلب، وخطوط الضغط والمواسير التى تدخل وتخرج من البئر مثل الشرايين، والسيستم مثل الدم فى جسم الإنسان، ونظام الرفع والتدوير هو العمود الفقرى والمخ للإنسان" يقولها محمود رزق، مهندس بترول، مضيفًا "كان نفسى أطلع طيار، لكن فشلى فى الاختبارات الطبية بعد الثانوية العامة، دفعنى إلى الاتجاه لمجال البترول". وأوضح، شفنا الوجه الآخر للمهنة، فلا أحد يكمل عمله فى هندسة البترول إلا إذا كان مجتهدًا باستمرار، ولديه استقلالية فى شخصيته، لأنه يعمل معظم وقته بعيدا عن البيت، ولا بد أن يكون منضبطًا، يلتزم بالقواعد والقوانين التى تحكمه، ولديه قدرة على صنع قرار. اختبار القدرات الذهنية عمال البريمة قبل استلام أعمالهم يعرضون على أطباء لمتابعة السمات العامة على أجسامهم، ومعرفة احتمالية تعرضهم لهبوط فى الدورة الدموية من عدمه، وما إذا كانوا يعانون من أمراض، وقياس قدراتهم الذهنية، وفى نهاية يقرر الطبيب بقاء العامل من عدمه على البريمة. فى منطقة تسمى الراديو روم تجرى اتصالات بين البريمة والمركز الرئيسى للشركة للتعريف بأماكن أسرة العمال التى يذهبون إليها فى أوقات الراحة، وفى المنشأة بحرية كل شئ مصمم بشكل بلا تفريط أو إفراط، فلا نقصان أو زيادة. يعود المهندس محمد رزق لمواصلة حديثه عن البريمة قائلا: "أول ما نزلت على حفارة، طلبوا منى ارتداء ماسك الوجه، تجنبا للغازات السامة التى قد تخرج من البئر، وهو ما دفعنى للاستغراب، لم أكن أتخيل أن أول شىء يقابلنى بعد هبوطى من الطائرة لمنطقة عملى إجراءات مخيفة". وأضاف، نحن لا نجد البترول فى الشارع أو على سطح البحر، ولا نعثر عليه بسهولة، إذ إن خامة النفط موجودة فى أعماق كبيرة ومختلفة، وفى تكوينات صخرية، وظروف تسمح للزيت أن يتكون ويتجمع ويكون مضغوطا، وحتى نصل لهذه الأماكن لا بد من استخدام معدات قوية. "مدير الحفارة طلب منى إجراء جولة على البريمة بمفردى كعين جديدة للمكان، والحديث عن الأخطاء الموجودة"، هكذا حكى المهندس رامى أول أيام عمله فى البريمة، متابعا "كنت سعيدًا بعملية المراجعة وإعادة تقييم الوضع، والاستجابة السريعة". المناطق الآمنة في زوسر فى أثناء جولتنا على البريمة أجرينا مقابلة مع إبراهيم حافط، فنى إنتاج، والذى قال، إن أول إجراء فى البريمة هو تسجيل الدخول، بعد ذلك دخول غرفة الأمان لمعرفة المناطق الآمنة وأماكن الطوارئ، وينقسم العمال إلى مجموعات، إما أن يكونوا تابعين للبريمة أو مسؤولين عن الأمان والإقامة والإعاشة والخدمات. وأضاف، نواجه مخاطر كثيرة، ربما تنفجر طلقات أثناء عملية التفجير، التى تحدث فى البئر، أو ترتطم سفينة بالبريمة، وهى أمور وقعت قبل ذلك فى أماكن عمل أخرى. ويقول الشيف جمال البسطويسى: الوجبات ليست ثابتة، حيث نبدلها أسبوعيا، فلا توجد قائمة وجبات محددة، لكن لا بد من طهى أكثر من صنف لحوم فى الغداء والعشاء. وأضاف، أكثر شئ التزم به جودة الأكل، حيث لا بد من أن تكون درجة الحرارة مضبوطة حتى يخرج الأكل صحيا، مشيرا إلى أن هناك 3 مساعدين له فى المطبخ، وخدمة 80 شخصًا، وأن هناك ورديتين، ومن الأمان إطفاء ذاتى. الخدمات والإعاشة محمد خليفة، المسؤول عن الإعاشة والخدمات يقول، إنه يحصل على 14 يوم عمل ومثلهم إجازة، ولا توجد عدد ساعات ثابتة للعمل، حيث إن ال24 ساعة طوارئ، فلو حصلت مشكلة لازم وجودى، مشيرا إلى أنه مسؤول عن الإقامة والإعاشة، وكل الخدمات التى تخص عمال البريمة. "طبيعة عملى إدارة الموقع ومتابعة الإنتاج وأعمال الصيانة، فأى شغل فى الحفر من ضمن مسؤولياتى"، يقولها المهندس وائل أحمد، ويتابع"بداية العمل كانت صعبة، كنا بنقعد على منصة بدون بريمة بالأسبوعين فى ظروف خطيرة، ولم يكن هناك أماكن كافية للنوم، وكنا نستمتع عندما ينتهى العمل بنجاح، ونعثر على الآبار، مشيرا إلى أن عملية التشغيل صعبة، وأشعر دائما بالخوف على العمال، وأعمل على توفير كل ما شأنه المحافظة عليهم. وأشار إلى أن المخاطر كثيرة، حيث نتعامل مع غاز وزيت مشتعل، وأى خطأ يؤدى للموت، ونحاول على قدر الإمكان أن لا نصل لهذه المرحلة.